عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: يفطر بما تيسر عليه بالماء وغيره
  
              

          ░44▒ (ص) بَابٌ: يُفْطِرُ بِمَا يَتَيَسَّرَ عَلَيهِ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ يُذكَرُ فيه: يُفطِرُ الصائمُ بأيِّ شيء يتهَيَّأ ويتيسَّر عليه، سواءٌ كان بالماء أو بغيره، وقال التِّرْمِذيُّ: (بابُ ما يُستحَبُّ عليه الإفطار) ثُمَّ قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عُمَر بن عليٍّ المُقدَّميِّ: حَدَّثَنَا سعيدُ بنُ عامر: حَدَّثَنَا شعبة عن عبد العزيز بن صُهَيبٍ عن أنسِ بن مالك قال: قال رسول الله صلعم :«مَن وجد تمرًا فليفطر عليه، ومَن لا؛ فليفطر على ماءٍ، فإنَّ الماء طهور» وقال: هو حديثٌ غيرُ محفوظ.
          وأخرجه النَّسائيُّ وقال: هذا خطأ، والصواب حديثُ سلمانَ بنِ عامر، [أورده في (الصوم) وفي (الوليمة) أيضًا، ورواه التِّرْمِذيُّ مِن حديث الرَّباب عن سلمانَ بنِ عامرٍ] الضَّبِّيِّ عنِ النَّبِيِّ صلعم قال:«إذا أفطر أحدكم؛ فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء، فَإِنَّهُ طهور» وقال التِّرْمِذيُّ: هذا حديث حسن صحيح، والرَّبابُ بنت صُلَيعٍ، وهي أمُّ الرائح، وروى التِّرْمِذيُّ أيضًا من حديث ثابت عن أنس بن مالك قالَ: كانَ النَّبِيُّ صلعم يفطر على رطباتٍ قبل أن يصلِّي، فإن لم يكن رطباتٌ؛ فتُمَيرَاتٌ، فإن لم يكن تُمَيرَاتٌ؛ حسا حَسَوات مِن ماءٍ، ثُمَّ قال: هذا حديث حسن غريب، وقال شيخنا زين الدين ☼ : هذا مخالفٌ لِما يقولُ أصحابُنا مِنِ استحباب الإفطار على شيءٍ حُلْوٍ، وعلَّلوه بأنَّ الصومَ يُضعِفُ البصر، والإفطارُ على الحُلْوِ يقوِّي البصر، لكن لم يذكر في الحديث بعدَ التمر إلَّا الماءَ، فلعلَّه خرجَ مخرجَ الغالب في المدينةِ مِن وجود الرُّطَب في زمنه، ووجود التَّمر في بقيَّة السَّنة، وتيسيرُ الماء بعدهما بخلافِ الحلواء والعسل، وإن كانَ العسلُ موجودًا عندهم، لكن يحتاج إلى ما يُحمَلُ فيه إذا كانوا خارجَ منازلهم، أو في الأسفار، واستحبَّ القاضي حُسَينٌ أن يكون فطرُه على ماءٍ يتناوله بيده مِنَ النهر ونحوه؛ حرصًا على طلب الحلال للفطر؛ لغلبة الشبهات في المآكل، وروينا عن ابنِ عمر: أنَّهُ كان ربَّما أفطرَ على الجماع، رواه الطَّبرانيُّ من رواية مُحَمَّد بن سِيرِين عنه، وإسناده حسن، وذلك يَحتمل أمرين؛ أحدهما: أن يكون ذلك لغلبة الشهوة وإن كان الصومُ يَكسِرُ الشهوة، والثاني: أن يكون يتحقَّقُ الحلَّ مِن أهله، وربَّما تردَّد في بعض المأكولات، وفي«المستدرك» عن / قتادةَ عن أنسٍ: أنَّ النَّبِيَّ صلعم كان لا يصلِّي المغرب حَتَّى يفطر ولو على شربة مِن ماء، وذهب ابنُ حزم إلى وجوب الفطرِ على التمر إن وجده، فإن لم يجده فعَلَى الماء، وإن لم يفعل؛ فهو عاصٍ، ولا يبطلُ صومُه بذلك.