عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب من باع ثماره أو نخله أو أرضه أو زرعه وقد وجب فيه العشر
  
              

          ░58▒ (ص) باب مَنْ بَاعَ ثِمَارَهُ أَوْ نَخْلَهُ أَوْ أَرْضَهُ أَوْ زَرْعَهُ، وَقَدْ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ أَوِ الصَّدَقَةُ، فَأَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ بَاعَ ثِمَارَهُ، وَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الصَّدَقَةُ.
          وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلعم : «لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» فَلَمْ يَحْظُرِ الْبَيْعَ بَعْدَ الصَّلَاحِ عَلَى أَحَدٍ، وَلَمْ يَخُصَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِمَّنْ لَمْ تَجِبْ.
          (ش) أَي: هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ حكمِ مَن باع ثماره، أو باع نخله، أو باع أرضه، أو باع زرعه، والحال أنَّهُ قد وجب فيه العُشر أو الصدقة؛ أي: الزكاة، فأدَّى الزكاة مِن غير ما باع مِن هذه الأشياء، أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة، وهو تعميمٌ بعد تخصيصٍ.
          وَالْمُرَاد مِنَ (النَّخْل) الَّتِي عليها الثِّمَار، ومِنَ (الأرض) الَّتِي عليها الزرع؛ لأنَّ الصدقة لا تجب في نفس النَّخْل والأرض، وهذا يحتمل ثَلَاثَة أنواع مِنَ البيع؛ الأَوَّل: بيع الثمرة فقط، وَالثَّانِي: بيع النَّخْل فقط، وَالثَّالِث: بيع التَّمْر مع النَّخْل، وكذا بيع الزرع مع الأرض أو بدونها أو بالعكس.
          وجواب (مَن) محذوف تقديره: مَن باع ثماره... إِلَى آخِرِهِ جاز بيعه فيها، فدلَّت هذه التَّرْجَمَة على أنَّ البُخَاريَّ يرى جواز بيع الثمرة بعد بدوِّ صلاحها، سواءٌ وجب عليه الزكاة أم لا، وقَالَ ابن بَطَّالٍ: غرضُ البُخَاريِّ الردُّ على الشَّافِعِيِّ؛ حيث قال بمنع البيع بعد الصلاح حَتَّى / يؤدِّي الزكاة منها، فخالف إباحةَ النَّبِيِّ صلعم له.
          قوله: (وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلعم ) بالجرِّ عطفٌ على قوله: (مَنْ بَاعَ) لأنَّه مجرورٌ محلًّا بالإضافة، والتقدير: وبابُ قولِ النَّبِيِّ صلعم : «لَا تَبِيعُوا...» الحديث.
          وهذا معلَّقٌ أسنده مِن حَدِيث ابْنِ عُمَرَ على ما يأتي عَنْ قَرِيبٍ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
          قوله: (لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَةَ) يعني: بدونِ النَّخْلة (حَتَّى يَبْدُو) أَيْ: حَتَّى يظهر (صَلاحُهَا) وإِنَّما قدَّرنا هذا لجواز بيعِها معها قبل بدوِّ الصلاح إجماعًا.
          قوله: (فَلَمْ يَحْظُر) مِن كلام البُخَاريِّ، وهو بالظاء الْمُعْجَمة، مِنَ الحَظْر؛ وهو المنع والتحريم، وهو على بناء الفاعل، والضمير الَّذِي فيه يرجع إلى النَّبِيِّ صلعم ؛ أي: لم يُحرِّمِ النَّبِيُّ صلعم البيعَ بعد الصلاح على أحدٍ، سواء وجبت عليه الزكاة أو لا.
          وأشار إليه بقوله: (وَلَمْ يَخُصَّ) أي: النَّبِيُّ صلعم مَن وجب عليه الزكاة مِمَّن لم تجب عليه، وبهذا ردَّ البُخَاريُّ على الشَّافِعِيِّ في أحد قوليه: إنَّ البيع فاسدٌ؛ لأنَّه باع ما يملك وما لا يملك، وهو نصيب المساكين، ففسَدَت الصَّفقة، وإِنَّما ذكر قوله: (فَلَمْ يَحْظُرْ) بالْفَاء؛ لأنَّه تَفْسِيرٌ لما قبله.