عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب أجر المرأة إذا تصدقت أو أطعمت من بيت زوجها غير مفسدة
  
              

          ░26▒ (ص) بابُ أَجْرِ الْمَرْأَةِ إِذَا تَصَدَّقَتْ أَوْ أَطْعَمَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ.
          (ش) أي: هذا باب في بيان أجر المرأة إذا تصدَّقت مِن مال زوجها، أو أطعمت شيئًا مِن بيت زوجها حال كونها غير مُفْسِدَةٍ، ولم يقيِّد هنا بالأمر، وقيَّد به في الخازن في الباب الذي قبله؛ لأنَّ للمرأة أن تتصرَّفَ في بيت زوجها؛ للرضا بذلك غالبًا، ولكن بشرط عدم الإفساد، بخلاف الخازن؛ لأنَّه ليس له تصرُّفٌ إلَّا بالإذن، والدليلُ على ذلك ما رواه البُخَاريُّ مِن حديث هَمَّام عن أبي هُرَيْرَة بلفظ: «إذا أنفقت المرأة مِن كسب زوجها، مِن غير أمره؛ فلها نصفُ أجره»، وسيأتي الحديث في (البيوع).
          وقال النَّوَوِيُّ: اعلم أنَّهُ لا بدَّ في العامل _وهو الخازن_ وفي الزوجة والمملوك مِن إذن المالك في ذلك، فإن لم يكن له إذنٌ أصلًا؛ فلا يجوز لأحد مِن هؤلاء الثلاثة، بل عليهم وزرٌ بتصرُّفهم في مال غيرِهم بغير إذنه، والإذنُ ضربان؛ أحدهما: الإذن الصريح في النفقة والصدقة، والثاني: الإذن المفهوم مِنَ اطِّراد العرف؛ كإعطاء السائل كِسْرةً ونَحْوَها مِمَّا جرَّت به العادة واطَّرد العُرفُ فيه، وعُلِمَ بالعُرف رِضا الزوج والمالك به، فإذنُه في ذلك حاصلٌ وإن لم يتكلَّم، وهذا إذا عُلِمَ رضاه لاطِّراد العرف، وعُلِمَ أنَّ نفسه كنفوس غالب الناس في السماحة بذلك والرضا به، فإنِ اضطربَ العرفُ وشُكَّ في رضاه، أو كان شحيحَ النَّفس يشحُّ بذلك، وعُلِمَ مِن حاله ذلك أو شُكَّ في رضاه؛ لم يجُز للمرأة وغيرِها التصدُّقُ مِن ماله إلَّا بصريحِ إذْنِهِ، وأَمَّا قوله صلعم _وأشار به إلى ما ذكرناه مِن حديث أبي هُرَيْرَة آنفًا_ فمعناه: مِن غير أَمْرِهِ الصريحِ في ذلك القدر المعيَّن، ويكون معها إذنٌ سابق يتناول لهذا القدر وغيرِه، وذلك هو الإذن الذي قدَّمناه سابقًا؛ إمَّا بالصريح وإمَّا بالعُرف، ولا بدَّ مِن هذا التأويل؛ لأنَّه صلعم جَعَل الأجر مناصفةً في رواية أبي داود ☼ : «فلها نصفُ أجره»، ومعلومٌ أنَّها إذا أنفقت مِن غير إذنٍ صريحٍ ولا معروفٍ مِنَ العُرف؛ فلا أجرَ لها، بل عليها وزرٌ، فتعيَّن تأويلُه.