عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب زكاة البقر
  
              

          ░43▒ (ص) باب زَكَاةِ الْبَقَرِ.
          (ش) أَي: هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ إيجاب زكاة البقر.
          (الْبَقَر) جمع (بقرة)، وهو (الباقر) أَيْضًا، ويُقال لها: (باقرٌ) إذا كانت جماعةً معَ الرُّعاة، و(البَقير) أَيْضًا اسم للجمع؛ كـ(الكَليْب) و(العَبِيد)، و(البَيْقُور) مثله، وفي «المحكَم»: «البقرة» مِنَ الأهليِّ والوحشيِّ يكون للمذَّكر والمؤنَّث، والجمع «بَقَر»، وجمع «البقرة»: «أَبْقُر»؛ كـ«زمن» و«أزمُن»، فأَمَّا «باقر» و«بَقير» و«باقورة»؛ فأسماء للجمع، وفي كتاب «الوحوش» لهِشَام الكرنبائيِّ: [يقال للأنثى مِن بقر الوحش: بقرة، ونَعْجة، ومَهاة، وقد يقال في الشِّعر للبقرة: ثورة، ولم يجئ] في الكلام، و«الباقرة» جماع «بقرة»، و«البقير» لا واحد له، وفي «الصحاح»: والجمع «البَقَرات»، وفي «المُغرِب» للمُطَرِّزيِّ: و«الباقور» و«البَيْقُور» و«الأَبْقُور»: البقر، وكذا «الباقورة».
          (ص) وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : «لأَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ اللهَ رَجُلٌ بِبَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ» وَيُقَالَ: جُؤَارٌ، {تَجْأَرُونَ}[النحل:53]: تَرْفَعُونَ أَصْوَاتَكُمْ كَمَا تَجْأَرُ الْبَقَرَةُ.
          (ش) مُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ / من حيث إنَّ الحديث يتضمَّن الوعيد فيمن لم يؤدِّ زكاة البقر، فيدلُّ على وجوب زكاة البقر، وقد قلنا: إنَّ التقدير في التَّرْجَمَة: بابٌ في بيان إيجاب زكاة البقر.
          وهَذَا التَّعْلِيق قطعةٌ مِن حَدِيث ابْنِ اللُّتْبِيَّة، أَخْرَجَهُ مُسنَدًا مَوْصُولًا مِن طُرقٍ، وهذا القَدْرُ وَقَعَ عِنْدَهُ مَوْصُولًا في (كتاب ترك الحِيل).
          و(أَبُو حُمَيْدٍ) بِضَمِّ الحاء، السَّاعِدِيُّ الأَنْصَارِيُّ، قيل: اسمه عَبْد الرَّحْمَن، وقيل: الْمُنْذِر بْن سَعْدٍ، مرَّ في (استقبال القبلة).
          قوله: (لأَعْرِفَنَّ) أي: لأَعْرِفَنَّكُم غدًا عَلَى هذه الحالة، [وفِي رِوَايَة الكُشْميهَنيِّ: <لا أَعْرِفَنَّ> بحرف النفي؛ أي: ما ينبغي أن تكونوا على هذه الحالة] فأعرفكم بها، قال القاضي: رِوَايَة النفي أشهر، وَرِوَايَة: «لأعرفنَّ» رِوَايَة أكثرِ رَوَاةِ مُسْلِم.
          قوله: (مَا جَاءَ اللهَ رَجُلٌ) كلمة (ما) مصدريَّة، ولفظ (اللهَ) منصوبٌ بقوله: (جاء)، و(رجلٌ) مرفوع؛ لأنَّه فاعل (جاء)، وهذه الجملةُ في محلِّ النصب على أنَّها مفعولُ (لأعرفنَّ) ؛ وتقدير الكلام: لأعرفنَّ مجيءَ رجلٍ إلى الله يَوْم الْقِيَامَةِ (بِبَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ) بِضَمِّ الخاء الْمُعْجَمة وبغير الْهَمْزَة، وهو صوت البقر.
          قوله: (وَيُقَالَ: جُؤَارٌ) مِن كلام البُخَاريِّ؛ أي: يقال: (جُؤار) بِضَمِّ الجيم وبالْهَمْزَة موضع (خُوار) بِالخاء الْمُعْجَمة، وقَالَ ابْنُ الأَثِيرِ: المشهورُ بالخاء الْمُعْجَمة، وأَمَّا (الجُؤَار) بالجيم والْهَمْزَة؛ فمعناه: رفع الصوت والاستغاثة، مِن جَأَرَ يَجْأَرُ جَأْرًا وجُؤَارًا؛ إذا رفع صوتَه مع تضرُّعٍ واستغاثة، قاله في «المحكَم»، وقال ثعلبٌ: هو رفعُ الصوت بالدعاء، وفي كتاب «الوحوش» للكرنبائيِّ: «الخُوَار» غير مهموز، و«الجُؤَار» مهموز، وهما سواءٌ.
          قوله: ({تَجْأَرُونَ}[النحل:53]) أشار به إلى المذكور في القُرْآن في (سورة النَّحل)، معناه: (تَرْفَعُونَ أَصْوَاتَكُمْ)، وقد جرت عادةُ البُخَاريِّ إذا وقف على لفظٍ غريبٍ يُطابِقُ كلمةً في القُرْآن؛ نقل تَفْسِير تلك الْكَلِمَة الَّتِي مِنَ القُرْآن؛ تكثيرًا للفائدة، وتَنْبِيهًا عَلَى ما وَقَعَ مِن ذلك في القُرْآن، وقد روى ابْن أَبِي حَاتِم هذا التَّفْسِير عَنِ السُّدِّيِّ، ورُويَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله: {تَجْأَرُونَ} قال: تستغيثون.