عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب وجوب الزكاة
  
              

          ░1▒ (ص) بابُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان وجوب الزكاة؛ أي: فرضيَّتها، وقد يُذكَر الوجوبُ ويُرادُ به الفرض؛ لأنَّه أراد بالوجوب الثبوتَ والتحقُّقَ، قال صلعم : «وجبت وجبت»؛ أي: ثبتت وتحقَّقت، أو ذكر الوجوب لأجل المقادير، فَإِنَّها ثبتت بأخبار الآحاد، أو لأنَّه لو قال: (فرض الزكاة) لِتَبادُرِ الذهن إلى الذي هو التقدير؛ إذ التقديرُ هو الغالبُ في باب الزكاة؛ لأنَّها جزءٌ مقدَّرٌ مِن جميعِ أصناف الأموال.
          قُلْت: لا شكَّ أنَّ الكتابَ مجملٌ، والحكمُ فيه التوقُّفُ إلى أن يأتيَ البيانُ، والبيانُ فُوِّض إلى رسول الله صلعم ، والنَّبِيُّ صلعم بيَّن ذلك في سائر الأموال، فيكون أصلُ الزكاة ثابتًا بدليل قطعيٍّ، والمقدارُ بالحديث، فلعلَّ مَن أطلق على الزكاة لفظَ (الوجوب) نَظَرَ إلى هذا المعنى.
          (ص) وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة:43].
          (ش) (وَقَوْلِ اللهِ) بالجرِّ عطف على ما قبله، وأشار به إلى أنَّ فرضيَّة الزكاة بالقرآن؛ لأنَّ الله أمر بها بقوله: {وَآتُوا الزَّكَاةَ}، والأمرُ للوجوب، وقيل: هو بالرفع مبتدأٌ، وخبره محذوف؛ أي: هو دليلٌ على ما قلناه مِنَ الوجوب.
          قُلْت: هذا ليس بشيء لا يخفى على الفَطِنِ، والوجهُ ما ذكرناه، قال ابنُ المنذر: انعقد الإجماعُ على فرضيَّة الزكاة، وهي الركن الثالث، قال صلعم : «بُنِيَ الإسلام على خمس...» وفيه قال: «وإيتاء الزكاة»، وقال ابن بَطَّالٍ: فمَن جحدَ واحدةً مِن هذه الخمس فلا يتمُّ إسلامُه، ألَا ترى أنَّ أبا بكرٍ ☺ قال: لأقاتلنَّ مَن فرَّق بين الصلاة والزكاة، وقال ابنُ الأثير: مَن منعها منكرًا وجوبَها فقد كَفَرَ، إلَّا أن يكون حديثَ عهدٍ بالإسلام ولم يعلم وجوبَها، وقال القشيريُّ: مَن جحدها كَفَرَ، وأجمع العلماءُ أنَّ مانِعَهَا تُؤخَذ قهرًا منه، وإن نصبَ الحربَ دونها قُتِلَ، كما فعل أبو بكر ☺ بأهل / الردَّة، ووافق على ذلك جميعُ الصَّحابة ♥ .
          (ص) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس ☻: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صلعم ، فَقَالَ: يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ.
          (ش) قد مضى هذا في أَوَّل الكتاب في قضيَّة أبي سفيان مع هرقل في حديثٍ طويلٍ منه: (قَالَ _أي: هرقل لأبي سفيان_ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قَالَ _أي: أبو سفيان في جوابه_ يقول: «اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم ويَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ والصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ)، وروى هذا الحديثَ عبدُ الله بنُ عَبَّاس عن أبي سفيانَ بنِ حَرْبٍ حيث قال: إنَّ أبا سفيان أخبرَه: أنَّ هرقل أرسل إليه...؛ الحديث، وقد مرَّ الكلامُ فيه مستوفًى هناك، وإِنَّما ذكر هذا الجزءَ منه هنا إشارةً إلى فرضيَّة الزكاة به.