مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: إذا لطم المسلم يهوديًا عند الغضب

          ░32▒ بابٌ إذا لطم مسلم يهوديا عند الغضب
          رواه أبو هريرة، عن النبي صلعم هذا أسنده فيما مضى.
          ثم ساق حديث أبي سعيد الخدري، عن النبي صلعم: ((لا تخيروا بين الأنبياء)) وفي رواية: جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلعم قد لطم وجهه.. الحديث.
          وفيه: ترك القصاص بين المسلم والكافر؛ إذ لم يقتص له من لطمة المسلم له، وهو قول جماعة الفقهاء كما سلف.
          وجه الدلالة أنه لو كان فيه قصاص لنيته وهذه المسألة إجماعية لأن الكوفيين لا يرون القصاص في اللطمة ولا الأدب إلا أن يخرجه ففيه الأرش.
          وفيه: رفع المسلم إلى السلطان بشكوى الكافر به.
          وفيه: خلقه ◙ وما جبله الله عليه من التواضع وحسن الأدب في قوله: ((لا تخيروا بين الأنبياء))، وفي الرواية الثانية: ((لا تخيروني من بين الأنبياء))، وذلك كقول الصديق: وليتكم ولست بخيركم.
          وقد سلف الكلام عليه في أبواب الإشخاص والملازمة.
          وفيه: أن العرش جسم، وأنه ليس العلم، كما قال سعيد بن جبير، لقوله: ((فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش)) والقائمة لا تكون إلا جسماً، ومما يؤيده قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:17] ومحال أن يكون المحمول غير جسم، لأنه لو كان روحانيًّا لم يكن في حمل الملائكة الثمانية له عجب، ولا في حمل واحد، فلما عجب الله تعالى من / حمل الثمانية له علمنا أنه جسم؛ لأن العجب في حمل الثمانية للعرش لعظمته وإحاطته.
          قوله: (فإن الناس يصعقون يوم القيامة) قال الداودي: يعني النفخة. قال: في هذا الحديث بعض الوهم فذلك قوله: ((فأكون أول من يفيق)) ثم قال: ((فلا أدري أفاق قبلي)) وإنما قال: ((أكون أول من تنشق عنه الأرض)) وشك في الإفاقة.
          قوله: (جوزي بصعقة الطور) قال الجوهري: تقول: جزيته بما صنع وجازيته، بمعنى.
          قال والدي ⌂:
          (باب من اطلع في بيت قوم ففقئ) بلفظ المجهول.
          و(أبو النعمان) بالضم محمد، و(الجحر) أولاً الثقبة وثانياً جمع الحجرة، و(المشقص) بكسر الميم النصل العريض، و(يختله) بالمعجمة يستغفله ويأتيه من حيث لا يراه، و(يطعنه) بالضم والفتح، و(المدرى) بالميم المكسورة وإسكان المهملة وبالراء مقصوراً منوناً حديدة يسوى بها شعر الرأس وقيل: هو شبيه بالمشط.
          و(تنتظرني) أي: ينظرني يعني: ما طعنت لأني كنت متردداً بين نظرك ووقوفك غير ناظر وقيل بكسر القاف أي: إنما شرع الاستئذان في دخول الدار من جهة البصر لئلا يقع على عورة أهلها، و(خذفته) بالمعجمتين مر في كتاب بدء السلام.
          قوله: (العاقلة) أي: أولياء النكاح وسموا بذلك؛ لأنهم يعقلون عن القتيل في الخطأ وشبه العمد.
          قوله: (صدقة) أخت الزكاة ابن الفضل بسكون المعجمة، و(ابن عيينة) سفيان، و(مطرف) بفاعل التطريف بالمهملة والراء ابن طريف بالمهملة الحارثي، و(أبو جحيفة) بالجيم والمهملة والفاء اسمه وهب.
          قوله: (برأ النسمة) أي: خلق الإنسان.
          فإن قلت: (إلا فهماً) هم استثنى إذ هو مثبت والاستثناء من الإثبات منفي؟ قلت: هو منقطع أي: لكن الفهم عندنا أو حرف العطف مقدر أي وفهم مر في كتاب العلم أنه قال لا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة والفهم بالسكون والحركة والضمير في كتابه عائد إلى الله.
          و(العقل) أي: أحكام الدية، و(الفكاك) بالكسر والفتح.
          فإن قلت: مر في باب حرم المدينة أن فيها أيضاً المدينة حرم من عير إلى كذا فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله؟ قلت: عدم التعرض ليس تعرضاً للعدم فلا منافاة.
          الخطابي: يعني بالفهم ما يفهم من فحوى كلامه ويستدرك من باطن معانيه التي هي غير الظاهر من نصه ويدخل فيه جميع وجوه القياس وأراد بالعقل: ما تتحمله العاقلة، وذلك أن ظاهره يخالف الكتاب وهو قوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء:15]، وإنما هو توقيف من جهة السنة أريد به المعونة وقصد به المصلحة ولو أخذ قاتل الخطأ بالدية لأوشك أن يأتي ذلك على جميع ما له فيفتقر ولو ترك الدم بلا عوض لصار هدراً والدم لا يذهب باطلاً فقيل لعصبة القاتل تعاونوا وأدوا عنه الدية ولم يكلفوا منه إلا الشيء اليسير الذي لا يجحف بهم وهو نصف دينار أو ربع دينار وقد حقن الدم وكان فيه إصلاح ذات البين.
          ثم إن العصبة قد يرثون الذي يؤدون عنه أي من له الغنم فعليه الغرم، وأما الفكاك فإنه نوع من المعونة زائد على الحقوق الواجبة في الأموال فألحق بالعقل؛ لأن سبيلها واحد في إنقاذ النفس التي قد أشرفت على الهلكة وتخليصها منها، وأما لا يقتل مسلم بكافر فإنما أدخله فيما استثناء عن ظاهر القرآن لأن الكتاب / يوجب القود على كل قاتل حيث قال النفس بالنفس فخصت السنة نفس المسلم إذا قتل الكافر فلأجل ذلك قال بخروج الخلال من الكتاب؛ أي: من ظاهره وإن كانت على وفاق حكمه ومعناه.
          قوله: (بغرة عبد) بالبدل والإضافة وهي النسمة من الرقيق ذكراً أو أنثى، و(الإملاص) إلقاء الولد ميتاً.
          و(محمد بن مسلمة) بفتح الميم واللام الخزرجي البدري الكبير القدر مات سنة ثلاث وأربعين، و(هشام) هو ابن عروة، و(نشد) يقال: نشد بالله أي: استحلف به، و(السقط) بتثليث السين المهملة ما سقط من الجنين.
          فإن قلت: خبر الواحد حجة يجب قبوله فلم طلب الشاهد؟ قلت: للتثبيت والتأكيد، ومع هذا لم يخرج بشهادته عن كونه خبراً لواحد.
          فإن قلت: الحديث منقطع؛ لأن عروة لم يسمع عمر؟ قلت: اعتمد على الاتصال السابق.
          قوله: (محمد بن عبد الله) يقال هو الذهلي بضم المعجمة وسكون الهاء، و(محمد ابن سابق) بالموحدة الفارسي البغدادي، روى عنه (خ) بدون الواسطة في كتاب الوصايا فقط.
          قوله: (زائدة) من الزيادة ابن قدامة بضم القاف وخفة المهملة الثقفي.
          قوله: (على الوالد) المشهور بين العلماء أن الوالد كالولد ليس شيء منه عليه، و(لحيان) بكسر اللام وسكون المهملة والتحتانية.
          فإن قلت: تقدم أنها من هذيل؟ قلت: هم بطن من هذيل.
          و(العقل) أي: دية الجنين على عصبة المقضي عليها، و(دية المرأة) أي: المقتولة على العاقلة أي: عاقلة المرأة القاتلة المقضي عليها بالغرة المتوفاة حتف أنفها، مر في كتاب الطب في باب الكهانة.
          فإن قلت: أين دلالته على الترجمة؟ قلت: علم من الحديث الأول حيث قال: ميراثها لبنيها.
          و(العقل على عصبتها) لأن العقل ليس على الولد بحكم المقابلة، وأما الحديث الثاني فدل على أكثرها.
          قوله: (أم سلمة) بفتحتين هند المخزومية، ولعل غرضها من منع بعث الحر التزام الخير وإيصال العوض؛ لأنه على تقدير هلاكه في ذلك العمل لا يضمنه بخلاف العبد فإن الضمان عليها لو هلك به وفي بعضها إشعار بالراء مكان النون.
          قوله: (عمرو بن زرارة) بضم الزاي وخفة الراء الأولى النيسابوري، و(أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري زوج أم أنس.
          وفي الحديث حسن خلق رسول الله صلعم إنه لعلى خلق عظيم وغرضه أنه لم يعترض عليه لا في فعل ولا ترك.
          فإن قلت: كيف دل على الترجمة؟ قلت: الخدمة مستلزمة للاستعانة، أو اعتمد على ما في سائر الروايات أنه صلعم قال له: ((التمس لي غلاماً يخدمني)).
          فإن قلت: ما تعلق الباب بالكتاب؟ قلت: إذا هلك العبد في الاستعمال تجب الدية واختلفوا في دية الصبي.
          قوله: (جبار) بالضم وخفة الموحدة هدرٌ لا قود فيه ولا دية، و(العجماء) البهيمة أي: ليس على صاحبها بسبب جرحها ضمان والمراد بالجرح: الإتلاف سواء كان بجراحة أو لا، وفي إتلافها تفاصيل مذكورة في الفقهيات، وأما مسألة البئر فيحتمل وجهين ما إذا حفر الرجل بئراً في موضع جاز له الحفر فيه فسقط فيها أحد وما إذا استأجر رجلاً بأن يحفر له بئراً فانهدمت عليه مثلاً، وكذلك المعدن بأن يقع فيه أحد أو بأن يكون أجيراً له في عمل المعدن لا يكون على مستأجره ضمان.
          و(الركاز) دفين الجاهلية مر في كتاب الزكاة.
          قوله: (العجماء) أي: إتلافها، و(النفحة) بالمهملة؛ أي: الضرب بالرجل والفرق بين الرد بالعنان أنه لا يمكنه التحفظ من النفح، و(ينخس) بضم / المعجمة وفتحها وكسرها من النخس وهو غرز مؤخر الدابة أو جنبها بعود ونحوه.
          و(شريح) مصغر الشرح بالمعجمة والراء والمهملة القاضي، و(عاقبت) بلفظ الغيبة أي: لا تضمن ما كان على سبيل المكافأة منها وأن يضربها فتضرب برجلها كالنفس للمعاقبة، وهو إما مجرور بجار مقدر أي: بأن يضربها أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف؛ أي: وهو أن يضربها.
          قوله: (الحكم) بفتحتين ابن عتيبة مصغر عتبة الدار، و(يخر) أي: يسقط، و(أتعبها) من الأتعاب وفي بعضها من الإتباع، و(خلفها) أي: وراءها (مترسلا) أي: متسهلاً في السير مرفوقاً بها لا يسوقها ولا يتعبها، وفي بعضها: ((خلفها)) بماضي التفضيل.
          قوله: (مسلم) بفاعل الإسلام، و(محمد ابن زياد) بتخفيف التحتانية الجمحي بضم الجيم البصري، و(عقلها) أي: ديتها.
          فإن قلت: جرحها هدر لا ديتها؟ قلت: هما متلازمان إذ معناه لا دية لها.
          قوله: (عبد الواحد) هو ابن زياد بكسر الزاي وبالتحتانية، و(الحسن) ابن عمر الفقيمي مصغر الفقم بالفاء والقاف التميمي الكوفي، و(معاهدة) بصيغة الفاعل والمفعول، وفي بعضها معاهداً باعتبار الشخص، و(لم يرح) بفتح الراء وكسرها؛ أي: لم يجد رائحة ولا يشمها.
          فإن قلت: المؤمن لا يخلد في النار؟ قلت: لم يجد أول ما يجدها سائر المسلمين الذين لم يقترفوا الكبائر أو هو وعيد تغليظاً.
          فإن قلت: جاء: من ادعى إلى غير أبيه لم يجد رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من قدر سبعين عاماً، وفي ((الموطأ)) في صفة الكاسيات العاريات لا يجد ريحها وإن ريحها يوجد من خمسمائة عام؟ قلت: قال ابن بطال: يحتمل أن يكون الأربعون أشد العمر فإذا بلغ ابن آدم إليها زاد عقله ودينه فكأنه وجد ريح الجنة على الطاعة، والسبعون فيها زيادة الطاعة وأعلا منزلة من الأربعين في الاستبصار، وأما الخمسمائة فهي فترة ما بين نبي ونبي فمن جاء في آخر الفترة واهتدى باتباع النبي الذي كان قبل الفترة وجد ريحها من خمسمائة عام.
          أقول: ويحتمل أيضاً أن لا يكون العدد بخصوصه مقصوداً بل المقصود المبالغة والتكثير ولهذا خصص بهذين العددين إذ الأربع هو مشتمل على جميع أنواع العدد فيه الآحاد وآحاده عشرة والمائة عشرات والألف مئات والسبع هو عدد فوق العدد الكامل وهو ستة إذ أجزاؤه بقدره وهي النصف والثلث والسدس لا زائد ولا ناقص وأما الخمسمائة فهي بعد ما بين السماء والأرض.
          فإن قلت: الترجمة في الذمي وهو كتابي عقد معه عقد الجزية؟ قلت: المعاهد أيضاً ذمي باعتبار أن له ذمة المسلمين وفي عهدهم فالذمي أعم من ذلك مر الحديث في آخر الجهاد.
          قوله: (الشعبي) بفتح الشين المعجمة عامر، والحديث بإسناده سبق آنفاً وهو حجة على الحنفية(1).
          قوله: (عمرو بن يحيى المازني) بالزاي والنون، و(لا تخيروا) أي: لا تقولوا بعضهم خير من بعض ولا تنسبوه إلى الخيرية.
          فإن قلت: سيدنا محمد صلعم أفضلهم قال ((أنا سيد ولد آدم))؟ قلت: إما أنه قال ذلك تواضعاً وإما أنه كان قبل علمه بأنه أفضل أو معناه لا تخيروا بحيث يلزم نقص على الآخر أو بحيث يؤدي إلى الخصومة.
          فإن قلت: ما مناسبته للترجمة؟ قلت: تتمة الحديث تدل على المناسبة كما هو مذكور في الذي بعده.
          قوله: (يصعقون) من صعق إذا غشي عليه من الفزع ونحوه، و(القائمة) هي العمود للعرش (جوزي) في بعضها: جزى من جزى الشيء إذا كفى(2)، وصعقته هي / ما قال تعالى: {وَخَرَّ موسَى صَعِقًا} [الأعراف:143].
          فإن قلت: مر في كتاب الخصومات لا أدري أفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله أي في قوله تعالى: {فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللهُ} [الزمر:68] فما التلفيق بينهما؟ قلت: المستثنى قد يكون موسى ◙ ونحوه أو معناه لا أدري أي هذه الثلاثة الإفاقة إلا والاستثناء أو المجازاة كان.
          الزركشي:
          (يختله) بكسر التاء؛ أي: يراوغه ويخدعه.
          (ليطعنه) بضم العين.
          (فخذفه) بخاء معجمة.
          (هل عندكم شيء ليس في القرآن) قال ابن حبان في ((صحيحه)): يريد فيما كتبه عن رسول الله صلعم، ثم رواه بلفظ: ((ما كتب عن رسول الله صلعم إلا القرآن وما في هذه الصحيفة)).
          (إلا فهما يعطى رجل في كتابه) يعني: ما فهم من فحوى كلامه ويستدرك من باطن معانيه.
          (والعقل) ما تتحمله العاقلة من دية القتيل خطأ، وهو توقيف من جهة السنة، وظاهره يخالف الكتاب، وهو قوله: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] وإنما في ذلك المصلحة، ولو أخذ قاتل الخطأ بالدية لأوشك أن يأتي على جميع ماله فيفتقر؛ لأن تتابع الخطأ منه غير مأمون ولو ترك لأهدر.
          (إملاص المرأة) أن تلقي الجنين قبل وقت الولادة، وهو في اللغة الإذلاق.
          (بغرة عبد أو أمة) بتنوين ((غرة))، وكذا ما بعده بدلاً منه، وروي بالإضافة، فالأول أصوب، ويؤيده رواية (خ) الآتية: ((قضى بالغرة عبداً أو أمة)).
          (وأن العقل على عصبتها) الضمير في ((عاقلتها)) يعود على العاقلة، كذا جاء مفسراً في الرواية الأخرى.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ})).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: العمود والقائمة تدل على أن العرش عليه قائم وقوله: {يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} أن الحملة هم الحاملون بالعرش ثابت على الحملة لا على القوائم فيحتاج إلى جواب)).