مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: من طلب دم امرئ بغير حق

          ░9▒ بابُ من طلب دم امرئ بغير حق
          فيه حديث ابن عباس أن النبي صلعم قال: ((أبغض الناس إلى الله تعالى)) الحديث.
          المراد: أبغض أهل الذنوب ممن هو من جملة المسلمين، ولا يجوز أن يكون هؤلاء أبغض إليه من أهل الكفر، وقد عظم الله الإلحاد في الحرم في كتابه فقال: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25]، فاشترط أليم العذاب لمن ألحد في الحرم زائداً على عذابه لو ألحد في غير الحرم. وقيل: كل ظالم فيه ملحد.
          وقال عمر بن الخطاب: احتكار الطعام بمكة إلحاد.
          وقال ابن مسعود: يكثرهم القتل بمكة.
          وقال أهل اللغة: المعنى: ومن يرد فيه إلحاداً بظلم والباء زائدة.
          وخالف الزجاج فقال: مذهبنا أن الباء ليست بزائدة، والمعنى: ومن أراد فيه بأن يلحد بظلم، ومعنى الإلحاد لغة: العدل عن القصد، ومنه سمي اللحد ولحداً وألحد، بمعنى وخالف الأحمر فحكى: ألحد: إذا جار، ولحد إذا عدل(1)، وحكى الفراء عن بعضهم: {وَمَن يُرِدْ} [آل عمران:145] من الورود، واستبعده النحاس، قال: لأنه إنما يقال: وردته، ولا يقال: وردت فيه.
          قوله: (ويبتغ) روي بالغين المعجمة والمهملة، والذي شرحه ابن بطال الأول؛ فقال: والمبتغي في الإسلام سنة الجاهلية فهو طلبهم بالذحول غير القاتل وقتلهم كل من وجدوه من قبله، ومنها انتهاك المحارم، واتباع الشهوات؛ لأنها كانت مباحة في الجاهلية فنسخها الله بالإسلام وحرمها على المؤمنين، وقال ◙: ((الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن)).
          ومنها النياحة والطيرة والكهانة وغير ذلك، وقد قال ◙: ((من رغب عن سنتي فليس مني)).
          وأما إثم الدم الحرام فقد عظمه الله في غير موضع من كتابه وعلى لسان نبيه، حتى قال بعض الصحابة: (إن القاتل) لا توبة له.
          و(أبغض) هو فعل من أبغض، وأبغض رباعي وهو شاذ لا يقاس عليه، ومثله ما أعدمه (من أعدم) إذا افتقر، وكذلك قول عمر في الصلاة: ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. وإنما يقال: أفعل من كذا للمفاضلة في الفعل الثلاثي.
          قوله: (ومطلب) كذا في الأصول: وذكره ابن التين بلفظ: ((ومن طلب)) ثم قال: أصله (مطلب) اسم، مفتعل من طلب فأبدلت التاء طاء وأدغمت التاء في الطاء.
          قوله: (امرؤ) يعرب منه حرفان الراء والهمزة في أشهر اللغات.
          وثانيها: فتح الراء على كل حال، والإعراب في الهمزة، ثالثها: ضم الراء على كل حال.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: نظيره قسط وأقسط)).