مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من أخذ حقه أو اقتص دون السلطان

          ░15▒ باب من أخذ حقه أو اقتص دون الناس
          فيه حديث أبي هريرة سمع رسول الله صلعم يقول: ((نحن الآخرون)). /
          وبإسناده: ((لو اطلع أحد في بيتك)) الحديث.
          الحديث الأول ظاهر لما ترجم له دون الثاني؛ لأن تسديد المشقص إليه كان من فعله، وكل سلطان يتأتى منه.
          وحديث سهل بن سعد الآتي في باب: من اطلع في بيت قوم فقئوا عينه، شاهد للباب أيضاً، وفي رواية صحيحة: ((فلا تودية ولا قصاص)).
          وروي عن عمر أيضاً مع أبي هريرة، وبه قال الشافعي.
          وفي ((نوادر ابن أبي زيد)) مثله عن مالك، والمعروف أنه عن ابن وهب ويحيى بن عمر: إذا عضه فجذب يده فقلع سنه أنه لا شيء عليه وهو هدر، ومشهور مذهب مالك: أن عليه القود.
          وروى ابن عبد الحكم عن مالك أن عليه القود؛ ولأنه ◙ قال: ((لو أعلم أنك تنظر لي لفقأت عينك)) وهو لا يقول إلا ما يجوز فعله، ومن فعل ما يجوز فعله فلا قود عليه.
          وقال المالكيون: مما يدل على أن الحديث خرج مخرج التغليظ، إجماعهم على أن رجلاً لو اطلع على عورة رجل أو بيته أو دخل داره بغير إذنه لا يجب عليه أن يفقأ عينه، وهجوم الدار أشد وأعظم من التسلل.
          واتفق أئمة الفتوى كما نقله المهلب وغيره على أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقه دون السلطان، وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض؛ لأن ذلك من الفساد، وإنما ذلك للسلطان أو منصوبه؛ ولهذا جعله الله لقبض أيدي الناس وليوصل الطالب إلى حقه وينتصف المظلوم من ظالمه، ولو ترك الأمر إلى أن ينتصف كل امرئ بنفسه فسدت الأمور.
          وتأول أكثرهم هذا الحديث على أنه خرج على التغليظ والتوعد والزجر عن الاطلاع على العورات، وإنما اختلف فيمن أقام الحد على عبده أو أمته كما سلف، ويجوز عند العلماء أن يأخذ حقه دون السلطان في المال خاصة إذا جحده إياه ولم يقم له بينة على حقه، على ما جاء في حديث هند مع أبي سفيان قبل، فإن كان السلطان لا ينصر المظلوم ولا يوصله إلى حقه جاز له أن يقتص دون الإمام.
          قوله: (خذفته) هو بالخاء والذال المعجمتين؛ أي: رميته بحصاة أو نواةٍ تأخذها بين سبابتك، أو تجعل مخذفة ترمي بها بين إبهامك والسبابة، قاله الهروي.
          قوله: (فسدد إليه مشقصا) هو بالسين المهملة من سدد كما هو في الأصول، وقال ابن التين: رويناه بتشديد الشين المعجمة، كذا قال، ومعناه: أوثقه. قال: وروي بالسين أي: قومه وهداه إلى ناحيته.
          والمشقص من السهام: ما طال وعرض، وقيل: هو العريض النصل، وسلف الخلاف فيه.
          قوله: (الآخرون السابقون) يعني: آخر الأمم في الدنيا وسابقيهم في الآخرة إلى الجنة، وأدخله في الباب وليس منه؛ لأنه سمع الحديثين معاً.