مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: المعدن جبار والبئر جبار

          ░28▒ باب المعدن جبار
          فيه حديث أبي هريرة أن رسول الله صلعم.. الحديث وسلف في الزكاة، أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف، ثم قال:
          باب العجماء جبار
          وقال ابن سيرين: كانوا لا يضمنون من النفحة.. إلى آخره.
          ثم ساق الحديث بسند آخر غير ما سلف من حديث شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي صلعم قال: ((العجماء عقلها جبار)) الحديث وسلف في الزكاة.
          أما أثر ابن سيرين فأخرجه ابن أبي شيبة، عن وكيع، ثنا سفيان، (عن عاصم، عنه. وأثر حماد أخرجه أيضاً عن غندر، عن شعبة) قال: سألت الحكم وحماداً عن رجل واقف على دابة، فضربت برجلها. فقال حماد: لا يضمن. وقال الحكم: يضمن وأثر شريح أخرجه أيضاً عن أبي خالد، عن الأشعث، عن ابن سيرين، عنه. وأثر الشعبي أخرجه أيضاً عن هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عنه به.
          روى (د) من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة مرفوعاً: ((والنار جبار)) قال الدارقطني: عن معمر، لا أراها إلا وهماً.
          وقال أحمد: ليس بشيء، لم يكن في الكتب وهو باطل، وليس بصحيح، قال: وأهل اليمن يكتبون النار: النير، ويكتبون البئر مثل ذلك، وإنما لقن عبد الرازق ((والنار جبار)) وغيره أيضاً.
          وقال يحيى بن معين كما نقله ابن عبد البر في ((استذكاره)): أصله البئر، ولكن معمراً صحفه. قال ابن عبد البر: لم يأت يحيى على قوله هذا بدليل، وليس هكذا ترد أحاديث الثقات.
          وقد ذكر وكيع عن عبد العزيز بن حصين، عن يحيى بن يحيى الغساني أن عمر بن عبد العزيز قضى أن النار جبار.
          روى الدارقطني من حديث سفيان بن حسين، بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً: ((والرجل جبار)).
          قال الدارقطني: لا يتابع سفيان على قوله: ((الرجل)) وهو وهم، لأن الثقات الذين قد بينا أحاديثهم منهم مالك وابن عيينة ويونس ومعمر وابن جريج والزبيدي وعقيل والليث بن سعد، خالفوه ولم يذكروا ذلك. وقال الشافعي: لا يصح ((الرجل جبار)) عن رسول الله؛ لأن الحفاظ لم يحفظوا، وقال: هكذا مر أنه غلط وقال في موضع آخر: إنه خطأ.
          قال ابن القصار: فإن صح فمعناه: الرجل جبار بهذا الحديث، وتكون اليد جبار قياساً على الرجل إذا كان ذلك بغير سبب ولا صنعه، وقال ◙: ((العجماء جبار)) ولم يخص يداً من رجل، فهو على العموم.
          قال الشافعي: ومن اعتل أنه لا يرى رجلها فهو إذا كان سائقها لا يرى يدها، فينبغي أن يلزمه في القياس أن يضمن عن الرجل ولا يضمن عن اليد.
          ونقلنا في الزكاة إجماع العلماء على أن جناية البهائم نهاراً لا ضمان عنها إذا لم يكن معها أحد، فإن كان معها أحد فجمهور العلماء على الضمان، وكذا قال ابن المنذر: أجمع العلماء أنه ليس على صاحب الدابة المنفلتة ضمان فيما أصابت.
          وكذا قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن العجماء إذا جنت جناية نهاراً، أو جرحت جرحاً لم يكن لأحد فيه سبب أنه هدر، ولا دية فيه على أحد / ولا أرش.
          واختلف في المواشي يهملها صاحبها ولا يمسكها ليلاً، فتخرج فتفسد زرعاً أو كرماً، أو غير ذلك من ثمار الحوائط والأجنة وخضرها على ما في حديث ابن شهاب، عن حرام بن محيصة يعني: الذي أسلفته هناك ولا خلاف بينهم أن ما أفسدت المواشي وجنته نهاراً من غير سبب آدمي أنه هدر من الزرع وغيره.
          وروي عن عمر أنه ضمن الذي أجرى فرسه عقل ما أصاب الفرس، وعن شريح أنه كان يضمن الفارس ما أوطأته دابته بيد أو رجل، ويبرئ من النفحة.
          قال إسماعيل القاضي: وقاله النخعي والحسن؛ وذلك لأن الراكب كان سببه.
          وقال الشافعي: إذا كان الرجل راكباً فما أصابت بيدها أو رجلها أو فمها أو ذنبها من نفس أو جرح فهو ضامن؛ لأن عليه منعها في تلك الحال، قال: وكذلك إذا كان سائقاً أو قائداً، وهو قول ابن شبرمة وابن أبي ليلى.
          قال الشافعي: وكذلك الإبل المقطرة بالبعير لا قائد لها، ولا يجوز في هذا إلا في ضمان كل ما أصابت الدابة تحت الراكب أو لا يضمن إلا ما حملها عليه. لا يصح إلا أحد هذين القولين، فأما من ضمن عن يدها ولم يضمن عن رجلها فهو تحكم. ولو أوقفها في موضع ليس له أن يوقفها فيه ضمن، ولو أوقفها في ملكه لم يضمن. فإن وقفها في موضع يعرف الناس أن مثله يوقف الدواب عند مثل دابته قال ابن حبيب نحو دار نفسه أو باب المسجد أو باب دار العالم أو القاضي وشبهه فلا ضمان عليه فيما يجب.
          فإن كان في بيته كلب عقور فدخل إنسان فقتله لم يكن عليه شيء. قال المزني: سواء عندي أذن لذلك الإنسان أن يدخل أو لم يأذن.
          وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا ضمان على أصحاب البهائم فيما تفسد وتجني في الليل والنهار، إلا أن يكون راكباً أو سائقاً أو قائداً أو مرسلاً.
          قال ابن عبد البر: من فرق بين الرجل والقدم في راكب الدابة أو سائقها أو قائدها فحجته أنه يمكنه التحفظ من جناية فمها ويدها إذا كان راكباً أو قائداً، ولا يمكنه ذلك من رجلها، ومن حجته أيضاً ما تقدم من ((الرجل جبار)) أي: على ما في إسناده.
          قال ابن حزم: واختلف في معنى قوله: ((والرجل جبار)) فقالت طائفة: معناه: ما أصابت الدابة برجلها، وهذا أسلفته، وقال آخرون: هو ما أصيب بالرجل من غير قصد في الطواف وغيره، وحكي ذلك عن بعض السلف.
          ومعنى قوله: (البئر جبار) أنه لا ضمان على رب البئر وحافرها إذا سقط فيها إنسان أو دابة أو غير ذلك، فتلف. هذا إذا كان حافر البئر قد حفرها في موضع يجوز له أن يحفرها فيه، مثل أن يحفرها بفنائه أو في ملكه أو داره أو في صحراء الماشية، أو طريق واسع محتمل، ونحو ذلك، وهو قول مالك والشافعي وداود وأصحابهم، وقول الليث بن سعد.
          وقال ابن القاسم عن مالك: إن حفر في داره بئراً لسارق يرصده ليقع فيه أو وضع له حبالات أو شيئاً يتلف به السارق، فدخل السارق فعطب فهو ضامن، ووجه ذلك أنه لم يحفرها لمنفعته، وإنما حفرها ليعطب بها غيره فصار جانياً.
          وقال الليث والشافعي: لا ضمان عليه في مثل هذا.
          وحكي عن العراقيين من أصحاب مالك أنه يقتل بالسارق، إن وقع فيه غيره، كانت الدية على عاقلته. وقالوا: ضبط مذهب مالك أن إنساناً لو طرح قشوراً في الطريق فقصد الهلاك والإتلاف فمات فيه أحد فعليه القود.
          وقال أبو حنيفة وصاحباه: له أن يحدث في الطريق ما لا يضر به، قالوا: وهو ضامن لما أصابه.
          قال ابن عبد البر: قوله ◙: ((والبئر جبار)) يدفع الضمان عن ربها في كل ما سقط فيها بغير صنع آدمي.
          وقال أبو عبيد: قوله: ((البئر جبار)) هي البئر العادية القديمة التي لا يعرف لها حافر / ولا مالك، تكون في البوادي يقع فيها شيء، فذلك هدر إذا حفرها في ملكه أو حيث [يجوز] له حفرها فيه؛ لأنه صنع من ذلك ما يجوز له فعله.
          قال أبو عبيد: وأما قوله: ((والمعدن جبار)) فهي المعادن التي يخرج منها الذهب والفضة، فيجيء قوم يحفرونها بشيء مسمى لهم، وربما انهارت عليهم المعدن فقتلهم، فنقول: دماؤهم هدر، ولا خلاف في ذلك بين العلماء.
          قال أبو عبيد: والعجماء: هي الدابة، وإنما سميت عجماء لأنها لا تتكلم، وكذلك كل من لا يقدر على الكلام فهو أعجم وأعجمي زاد غيره: وإن كان من العرب، ورجل أعجمي منسوب وإن كان فصيحاً، ورجل أعرابي إذا كان بدويا وإن لم يكن من العرب، ورجل عربي منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدويًّا.
          والجبار: الهدر الذي لا دية فيه، وإنما جعلت هدراً إذا كانت منفلتة ليس لها قائد ولا راكب.
          وما ذكره (خ) عن حماد وشريح والشعبي أنهم كانوا لا يضمنون النفحة إلا أن تنخس الدابة. فعليه أكثر العلماء؛ لأن ما فعلته من أذى ذلك فهي جناية راكبها وسائقها؛ لأنه الذي ولد لها ذلك.
          قال مالك: فإن رمحت من غير أن يفعل بها شيئاً ترمح له، فلا ضمان عليه وهو قول الكوفيين والشافعي.
          وأما قول ابن سيرين: كانوا لا يضمنون النفحة ويضمنون من رد العنان. فالنفحة: ما أصاب برجلها وذنبها فقالوا: لا ضمان وإن كان بسببه، وبين ما أصابت بيدها أو مقدمها فقالوا: عليه الضمان.
          ولم يفرق مالك والشافعي بين الكل في وجوب الضمان على الراكب والقائد والسائق إذا كان من نخسه أو كبحه، وحاصل ما للعلماء فيما تفسده البهائم إذا انفلتت ليلاً أو نهاراً، ثلاث مذاهب: الضمان مطلقاً، وهو مذهب [الليث].
          وعدمه مطلقاً، إلا أن يكون له فعل فيها، وهو مذهب الكوفيين.
          ثالثها: التفصيل بين ما أفسدته نهاراً فلا ضمان، إلا أن يكون صاحبها معها ويقدر على منعها، وبين ما أفسدته ليلاً فضمانه على أرباب المواشي، قاله مالك والشافعي.
          والمعدن من العدون وهو: الإقامة، ومنه {جَنَّاتِ عَدْنٍ} [التوبة:82]. فالمعدن يقام عليه ليلاً ونهاراً، وهو عروق في الأرض يستخرج منها الذهب والفضة. وفيه الربع، خلافاً لأبي حنيفة، حيث قال: الخمس كالركاز، فإن وجد فيه بدرة.
          فقال مالك في رواية ابن القاسم: فيها الخمس. وقد سلف في الزكاة.