مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات

          ░14▒ باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات
          وقد سلف الكلام منه آنفاً.
          ثم قال: (ويذكر عن عمر: تقاد المرأة من الرجل في كل عمد يبلغ نفسه فما دونها من الجراح).
          هذا قول مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأكثر الفقهاء، وخالف أبو حنيفة فقال: لا قصاص بين الرجال والنساء فيما دون النفس من الجراح.
          احتج أصحابه بأن المساواة عندهم معتبرة في النفس دون الأطراف. ألا ترى أن اليد الصحيحة لا تؤخذ بيد شلاء، والنفس الصحيحة تؤخذ بالمريضة، وهذه نكتهم وعليها يبوبون الكلام، وكذلك لا يقطعون يد المرأة بيد الرجل، ولا يد الحرة بالحر وإن جرى القصاص بينهما في النفس.
          وقال ابن المنذر: ولما أجمعوا أن نفسه بنفسه، وهي أكبر الأشياء، واختلفوا فيما دونها، كان ما اختلفوا فيه مردوداً إلى ما أجمعوا عليه؛ لأن الشيء إذا أبيح منه الكثير فالقليل أولى.
          وحديث الربيع بين أن القصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس؛ ولأن كل شخصين جرى القصاص بينهما في النفس فكذلك فيما دونها كالرجلين والمرأتين، وإنما لم تؤخذ اليد الصحيحة بالشلاء؛ لأن اليد الشلاء مثلة والنفس الحية لا تؤخذ بالنفس الميتة فسقط اعتراضهم.
          ولما ذكر (خ) عن عمر ما ذكر أعقبه بقوله: وبه قال عمر بن عبد العزيز وإبراهيم وأبو الزناد، عن أصحابه. قال: وجرحت [أخت] الربيع إلى آخره ثم ساق حديث عائشة: لددنا رسول الله في مرضه، الحديث وقد سلف.
          وأثر عمر أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح.
          والتعليق عن عمر بن عبد العزيز وأبي الزناد أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد جيد عن وكيع، بسنده عن عمر بن عبد العزيز الحديث.
          قوله: (الربيع) هو بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد المثناة تحت. وهذا أخرجه (م) عن أبي بكر بن أبي شيبة بسنده عن أنس بن مالك قال: جرحت أخت الربيع.. الحديث.
          وادعى ابن التين أنه كذا وقع هنا في غير هذا موضع من (خ)، أن أخت الربيع هي الجانية، وكذا في كتاب (م)، والذي رأيناه في نسخ (خ) الصحيحة هنا الربيع بحذف أخت.
          وأسلفنا اتفاق علماء الأمصار على قتل الرجل بالمرأة وعكسه إذا كان عمداً إلا من شذ، وأن مالكاً والثوري والأوزاعي والشافعي، وأكثر الفقهاء ذهبوا إلى أن القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات كما هو في النفس. ولم يخالف فيه إلا أبو حنيفة كما سلف.
          وفي حديث اللدود قصاص الرجل من المرأة؛ لأن أكثر البيت كانوا نساء.
          وفيه أيضاً أخذ الجماعة بالواحد، ووجهه المخالفة فيما نهاهم، وأنه يؤخذ الناس بالقصاص في أقل من الجراحات؛ لأنه ◙ أمر بأن يقتص له ممن لده في مرضه وآلمه. وهذا دون جراحة ولا قصد لأذى، والقصاص أيضاً في الجراح خلافاً لداود في القتل، ولأبي حنيفة في الجراح.
          واللدود ما يصب من الأدوية في أحد شقي الفم، وقد لد الرجل فهو ملدود وألددته أنا، والتدَّ هو، قاله الجوهري، والذي في الأصل لددناه ثلاثي، وعليه يدل قول الجوهري: لد الرجل، إذ لو كان رباعيًّا لكان ألد الرجل فهو ملد(1).


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: وفيه أن جماعة يؤاخذون بفعل بعضهم لأن كلهم لم يباشر لده وإنما لده بعضهم)).