مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب العاقلة

          ░24▒ باب العاقلة
          فيه حديث أبي جحيفة الآتي بعد في باب لا يقتل المسلم بالكافر، وفيه: قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وذكره في البابين سواءً سنداً ومتناً. وقل أن يتفق له ذلك، نعم ذكره في العلم عن شيخ آخر له وقام الإجماع على القول بالعقل في الخطأ لثبوت ذلك عن الشارع.
          وقد روى مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله لعمرو بن حزم في العقول: ((أن في النفس مائة من الإبل..)) إلى آخره.
          أرسله مالك قال: وجعل النبي صلعم في النفس مائة من الإبل، وقومها عمر بالذهب والورق فجعل على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم.
          قال مالك: أهل الذهب أهل الشام ومصر، وأهل الورق أهل العراق، كان صرفهم ذلك الوقت الدينار باثني عشر درهماً، وكانت قيمة الإبل ألف دينار، وإنما تقوم الأشياء بالذهب والورق خاصة، على ما صنع عمر، هذا قول مالك والكوفيين، وأحد قولي الشافعي.
          وقال أبو يوسف ومحمد: يؤخذ في الدية أيضاً البقر والخيل والشاء، وروي عن عمر أيضاً، وبه قال الفقهاء السبعة المدنيون.
          وقال مالك: لا يؤخذ في الدية بقر ولا غنم ولا خيل إلا أن يتراضوا بذلك فيجوز، ولو جاز أن تقوم بالشاء والبقر والخيل لوجب تقويمها على أهل الخيل بالخيل وعلى أهل الطعام بالطعام، وهذا لا يقوله أحد.
          وأجمعوا أن الدية تقطع في ثلاث سنين للتخفيف على العاقلة ليجمعوها في هذه المدة.
          والأصابع سلف حكمها، والأسنان قضى عمر في الأضراس ببعير بعير، وقضى معاوية بخمس خمس، وبه قال مالك.
          قال ابن المسيب: فالدية تنقص خمساً في قضاء عمر، وتزيد ثلاثة أخماس في قضاء معاوية، فلو كنت أنا لجعلت الأضراس بعيرين بعيرين فتلك دية.
          فائدة:
          اختلف لم سميت عاقلة؟
          فقيل: هو من عقل يعقل أي: يحمل، فمعناه: أنها تحمل الدية عن القاتل، وقيل: هو من عقل يعقل أي منع يمنع، ودفع يدفع، وذلك أنه كان في الجاهلية كل من قتل التجأ إلى قومه؛ لأنه يطلب ليقتل فيمنعون منه القتل(1)، فسميت عاقلة؛ أي: مانعة.
          وقيل: سميت عاقلة من عقل النفس؛ لأن عاقلة العاقل يعقلون الإبل التي تجب عليهم، فسموا عاقلة لعقلهم الإبل في ذلك الموضع. ثم كثر استعمالهم لهذا الحرف حتى صار يقال: عقلته إذا أعطيت ديته، وإن كانت دنانير أو دراهم.
          وقال ابن فارس: عقلت القتيل إذا أعطيت ديته، وعقلت عنه إذا لزمته / دية فأديتها عنه. قال: ذكر ذلك عن القتبي، وقال عن الأصمعي: كلمت أبا يوسف القاضي في ذلك بمحضر الرشيد فلم يفرق بين عقلته وأعقلت عنه حتى فهمته.
          وقول أبي جحيفة: سألت عليًّا: هل عندكم شيء مما ليس في القرآن؟
          إنما سأله لأجل دعوى الروافض أن عندهم كتاب الحصر، فيه علم كل شيء، وأداهم ذلك إلى أن جعل بعضهم عليًّا نبيًّا وبعضهم إلهاً، نبه عليه الداودي.
          ومعنى (فلق الحبة): أخرج منها النبات، والنخل من النوى.
          قوله: (وبرأ النسمة) النفس، وكل دابة فيها روح فهي نسمة، وكان إذا اجتهد في اليمين حلف بهذا. وقيل: النسمة: الإنسان، ومعنى برأ: خلق.
          قوله: (إلا فهما يعطي رجل في كتابه) يعني: ما يفهم من فحوى كلامه، ويستدرك من باطن معانيه التي هي غير ظاهرها، وذلك جميع وجوه القياس والاستنباط الذي يتوصل إليها من طريق الفهم والتفهم.
          قوله: (العقل) يريد: ما تحمله العاقلة، وقد ثبتت الأخبار بأنه ◙ قضى بالعقل على العاقلة. قيل: ولا يختلف المسلمون أن دية الخطأ المحض على العاقلة، إلا ما روي عن الأصم: أن الديات كلها في مال القاتل، وذكر أنه مذهب الخوارج، وظاهر هذا يخالفه قوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء:15]، ولكنه يوصف من جهة السنة، أريد به معونة القاتل من غير إجحاف بالعصبة المعينين، واختلف في مقدار ما يعينون به، فعندنا يضرب على الغني نصف دينار، وعلى المتوسط ربع كل سنة.
          وعن مالك: أكثر ما يؤخذ من الواحد نصف دينار، ورواه ابن القاسم. وروي عنه: كانوا يأخذون من الدية درهماً ونصفاً من المائة.
          وقال ابن القاسم: وروي عنه في السنة أكثر من دينار وقيل: أكثر من ربع.
          وفي ((الزاهي)): كان يجعل عليهم فيما مضى دينار أو نصفه من كل مائة، يخرج له من عطائه. وقيل: ثلاثة دراهم في العام. وقيل: ما يطيقون. وقيل: ما اصطلحوا عليه. واختلف في الذي تحمله العاقلة. فقال مالك: الثلث فأعلى.
          وقال أبو حنيفة: عقل الموضحة فأعلى. وذكر مغيرة أن العاقلة تحمل الثلث إجماعاً. وذكر ابن القصار، عن الزهري أنها لا تحمل الثلث وتحمل ما زاد. وقال الشافعي في القديم: لا تحمل ما دون الدية. وفي الجديد: تحمل ما قل وما كثر.
          وقام الإجماع على أنها تؤدى في ثلاث سنين، واختلفوا هل يؤخذ فيها البقر والشاء والخيل؟ فمنعه مالك وغيره، وأجاز ذلك أبو يوسف. وقد سلف.
          قوله: (وفكاك الأسير) هذا واجب على كل المسلمين، واختلف هل يفك من الزكاة؟ واحتج من منعه بأنه يجب على سائر الناس، فلا يجوز أن يؤدى من الزكاة.
          قوله: (وأن لا يقتل مسلم بكافر) هذا قول الجماعة. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يقتل المسلم بالذمي ولا يقتل بالمستأمن، وقد سلف.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: هذا فيه نظر فإن العاقلة لا تؤدي العقل إلا في موضع لا يجب القصاص)).