مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين

          ░8▒ باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين
          ثنا أبو نعيم، ثنا شيبان، إلى آخره ثم ساق عن ابن عباس قال: كان في بني إسرائيل قصاص... إلى آخره كما سلف في تفسير سورة البقرة.
          قوله: (وقال عبد الله بن رجاء) هو شيخه، ومراده بإيراد ذلك تبيين عدم تدليس يحيى فقال: (عن أبي سلمة) فإن جريراً قاله عنه عن يحيى، ثنا أبو سلمة. ورواه ابن أبي عاصم عن دحيم ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، عن يحيى، ومتابعة عبيد الله أخرجها (م) عن إسحاق بن منصور عنه به، والرجل من قريش هو العباس.
          قوله: (يقال له: أبو شاة) قال عياض: أبو شاة مصروفاً ضبطه، وقرأته أنا نكرة ومعرفة، وخط السلفي الحافظ في تأليفه في فضل الفرس: من قاله بالتاء، وقال: إنه من فرسان الفرس المرسلين من قبل كسرى إلى اليمن.
          قوله: (اكتبوا لأبي شاة) يعني: الخطبة التي خطب بها.
          واختلف في أخذ الدية من قاتل العمد:
          فقالت طائفة: ولي المقتول بالخيار بين القصاص وأخذ الدية، وإن لم يرض القاتل، روي ذلك عن ابن المسيب والحسن وعطاء، ورواه أشهب عن مالك، وبه قال الليث والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور / .
          وقال آخرون: ليس له إذا كان عمداً إلا القصاص ولا يأخذ الدية إلا أن يرضى القاتل. رواه ابن القاسم عن مالك وهو المشهور عنه، وبه قال الثوري والكوفيون، وفائدة الخلاف تظهر فيمن قال: عفوت مطلقاً ولم يذكر دية، فالمعروف أنه لا دية له.
          قال المهلب: في قوله: (فهو بخير النظرين) حض وندب لأولياء القتيل أن ينظروا خير نظر، فإن كان القصاص خيراً من أخذ الدية اقتصوا ولم يقبلوها، وإن كان أخذها أقرب إلى الألفة وقطع الضغائن بين المسلمين أخذ من غير جبر القاتل على أخذها منه، ولا يقتضي قوله: ((بخير النظرين)) إكراه أحد الفريقين، كما لا يقتضي قوله تعالى: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:178] أخذ الدية من القاتل كرهاً.
          وقال جماعة من المفسرين: يقتضي أخذها منه كرها إذ لم يعقله برضى أحد، وانفصل عنه بعضهم بأنه تعالى ذكر الشيء منكراً لا معرفاً، والعفو يكون للبدل في اللغة كما يكون في الترك.
          وفي حديث الباب حجة للثوري والكوفيين والشافعي وأحمد وإسحاق في قولهم، أنه يجوز في قتل الغيلة، وهو أن يغتال الإنسان فيخدع بالمشي حتى يصير إلى موضع فيختفي فيه، فإذا صار إليه قتله، وقال مالك: الغيلة بمنزلة المحاربة، وليس لولاة الدم العفو فيها، وذلك إلى السلطان يقتل به القاتل.
          قوله: (إما أن يودى وإما أن يقاد) وقال في آخره: (وقال عبيد الله: إما أن يفادى لأهل القتيل).
          قال الداودي: إن كان المحفوظ بالقاف فيحتمل أن يكون للمقتول وليان فيخاطبهما على التثنية، فقال: إما أن يقاد أو يقتلهما، وهذا غير صحيح كما نبه عليه ابن التين؛ لأنه لو كان للتثنية لكان يوديان أو يفادان، وهذه الرواية إن صحت وإنما هي بالفاء: إما أن يودى القتيل، وإما أن يفادى.
          واحتج بها مالك أن القاتل لا يجبر على الدية، والصحيح يقاد بغير ألف، يقال: أقدت القاتل بالقتيل؛ أي: قتلته به، وأقاده السلطان، ومعنى رواية عبيد الله: يؤخذ لهم ثأرهم، والمفاداة لا تكون إلا من اثنين غالباً، وقد يرد خلافه، ويحتمل على غير جنس الدية لا يصح إلا برضاهما.
          والساعة التي أحلت له لم يكن القتل له فيها محرماً لإدخاله إياهم في شرائع الإسلام، فكذلك كل قتل يكون على شرائع الله لا تعظيم فيها، ويقتص فيها من صاحبه، وسلف اختلاف العلماء في هذه المسألة في الحج.
          قوله: (لا يختلى شوكها) أي: لا يجعل خلا، والخلا: مقصور الحشيش اليابس، وقيل: الرطب.
          قوله: (ولا يعضد شجرها) أي: لا يقطع بالمعضد، وهي حديدة يقطع بها.
          و(المنشد) المعرف، يقال: نشدت الضالة إذا طلبتها، وأنشدتها: عرفتها.
          ومشهور مذهب مالك أن لقطة مكة كغيرها من البلاد سواء تعرف سنة، وظاهر الحديث خلافه، وهو قول الشافعي.
          و(الإذخر) جمع إذخرة، وهو نبت إذا يبس صار كالتبن يوقده الصاغة، ويجعل في الطين يطين به.
          روى ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) بإسناد جيد عن ابن عباس أنه قال: يزاد في دية القتيل في الأشهر أربعة آلاف، والمقتول في مكة يزاد في ديته أربعة آلاف، قيمة دية الحرم عشرين ألفاً.
          وفي حديث ابن أبي نجيح، عن أبيه، أن عثمان قضى في امر[أة] قتلت في الحرم بدية وثلث دية، وعن ابن المسيب وسليمان بن يسار ومجاهد وابن جبير وعطاء: إذا قتل في البلد الحرام فدية وثلث دية، وفي الشهر الحرام وهو محرم فدية مغلظة، وحكاه أيضاً عن ابن شهاب. /