مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب إثم من قتل ذميًا بغير جرم

          ░30▒ باب إثم من قتل ذميًّا بغير جرم
          فيه حديث مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلعم الحديث.
          وسلف في أثناء الجزية. وتكلمنا على إسناده.
          وفيه دليل على أن المسلم إذا قتل الذمي لا يقتل به؛ لأن الشارع إنما ذكر الوعيد للمسلم وعظيم الإثم في الآخرة، ولم يذكر بينهما قصاصاً في الدنيا.
          ومعنى: (لم يرح) معناه على الوعيد وليس على الختم والإلزام، وإنما هذا لمن أراد الله تعالى إنفاذ الوعيد عليه. وزعم أبو عبيد أنه يقال: يَرح ويُرح أي: بالضم من أرحت.
          وقال أبو حنيفة: أرحت الرائحة وأروحها ورحتها إذا وجدتها.
          وعند الهروي روي بثلاثة أوجه: يَرَح يَرُح يُرَح يقال: رحت الشيء أراحه وروحته أريحه وأرحته الريحة إذا وجدت ريحه.
          وقال ابن التين: روينا يرح بفتح الياء والراء.
          وقال الجوهري: راح الشيء يراحه ويريحه، إذا وجد ريحه، قال: ومنه هذا الحديث، جعله أبو عبيد من أرحت الشيء أراحه، وكان أبو عمر يقول: ((لم يرح)) من راح الشيء يريحه، والكسائي / يقول: ((لم يرح)) يجعله من أرحت الشيء فأنا أريحه، قال: والمعنى واحد، قال الأصمعي: لا أدري هو من رحت أو أرحت.
          جاء هنا: ((من مسيرة أربعين عاما)) وقد روى شعبة عن الحكم بن عتيبة: سمعت مجاهداً يحدث عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله قال: ((من ادعى إلى غير أبيه لم يجد رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من قدر مسيرة سبعين عاماً))، وجاء في ((الموطأ)): ((كاسيات عاريات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام)).
          ووجه الجمع أنه يحتمل أن يكون الأول أقصى أشد العمر في قول أكثر أهل العلم إذا ابن آدم زاد عمله واستحكمت بصيرته في الخشوع فيه، والتذلل والندم على ما سلف له، فكأنه وجد ريحها الذي يبعثه على الطاعة، وتمكن من قلبه الأفعال الموصلة إلى الجنة، فهذا وجد ريحها على مسيرة أربعين عاما.
          وأما الثانية: فإنها آخر المعترك وهي أعلى منزلة من الأربعين في الاستبصار ويعرض للمرء عندها من الخشية والندم لاقتراب أجله ما لم يعرض له قبل ذلك، وتزداد طاعته بالتوفيق، فيجد ريحها على هذا النحو.
          وأما الثالثة: فهي فترة ما بين نبي ونبي، فيكون من جاء في آخر الفترة واهتدى باتباع النبي الذي كان قبلها ولم يضره طولها، فوجد ريحها على ذلك. ذكره ابن بطال، وقد سلف في الجزية والموادعة.
          قال الداودي: يحتمل هذا الحديث أن لا يجد ريحها في الموقف؛ أي في بعض الأوقات، ويحتمل أن يكون هذا جزاء إن جوزي، وأن يكون في رجل بعينه، ويكون من المعاريض لقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} الآية [النساء:48].