مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب العفو في الخطأ بعد الموت

          ░10▒ باب العفو في الخطأ بعد الموت
          ثنا فروة بن أبي المغراء، ثنا علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، وفي بعض النسخ: عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: هزم المشركون يوم أحد.
          حدثني محمد بن حرب، ثنا أبو مروان يحيى بن أبي زكريا الواسطي، وهو غساني شامي مات سنة ثمان وثمانين أو تسعين ومائة، وهو من أفراده عن هشام، عن عروة، عن عائشة قال: صرخ إبليس الحديث وسلف في غزوة أحد.
          وهذا أصل مجمع عليه، أن عفو الولي لا يكون إلا بعد الموت؛ لأنه يمكن أن يبرأ، وأما عفو القتيل فإنه يكون قبله، قال علي بن أبي طالب: إن أعش فأنا ولي دمي، وإن أمت فأنتم وذاك.
          وعن الحسن أنه كان يقول: إذا عفا الرجل عن قاتله في العمد قبل أن يموت فهو جائز.
          وزعم أهل الظاهر أن العفو لا يكون للقتيل ولا يكون إلا للولي خاصة، وهو خطأ؛ لأن الولي إنما جعل إليه القيام بما هو للقتيل من أمر نفسه من أجل ولايته له ومحله منه، فالقتيل أولى بذلك وإنما فهم العفو في هذا الحديث من قول حذيفة: (غفر الله لكم)، وقد كان يتوجه الحكم إلى اليمان إلى أخذ الدية من عاقلة القاتلين وإن لم يعرف من هم.
          قال ابن التين: ويحتمل أن يريد بقوله: (غفر الله لكم): ترك الدية، ويحتمل أن يكون / ذلك قبل أن تفرض الدية، أو سكت عنها لعلم السامع. قلت: قد جاء مصرحاً به أنه تصدق بديته على المسلمين.
          وترجم عليه باب: إذا مات في الزحام ولا يدري من قتله، فقالت طائفة: دمه في بيت المال، روي ذلك عن عمر وعلي، وبه قال إسحاق.
          وقالت أخرى: ديته على من حضر، وهو قول الحسن البصري والزهري ومروان بن الحكم.
          وقالت أخرى: يقال لوليه: ادع على من شئت. فإذا حلف على أحد بعينه أو جماعة يمكن أن يكونوا قاتليه في الجمع، واستحق على عواقلهم الدية في ثلاث سنين، هذا قول الشافعي.
          وقال مالك: دمه هدر.
          ووجه من قال: إنه في بيت المال، أنا اتفقنا أن من مات من فعل قوم من المسلمين ولم يتعين من قتله فحسن أن يودى من بيت المال؛ لأن بيت مالهم كالعاقلة.
          ووجه الثاني: أنا قد أيقنا أن من فعلهم مات فلا تتعدى إلى غيرهم، وهو أشبه بحديث الباب؛ لأن حذيفة قال: (غفر الله لكم) يدل أنه لم يغفر لهم (إلا ما له مطالبتهم به)، ألا ترى قوله فيه هناك: فلم يزل في حذيفة منها بقية. يريد: أنها ظهرت بركة ذلك العفو عنهم.
          ووجه قول الشافعي أن الدماء والأموال لا تجب إلا بالطلب، فإذا ادعى أولياء المقتول على قوم وأتوا بما يوجب القسامة حلفوا واستحقوا، ووجه قول مالك أنه لما لم يعلم قاتله بعينه علم يقين به استحال أن يؤخذ أحد فيه بالظن، فوجب أن يهدر دمه.
          قوله: (وكان انهزم منهم قوم حتى لحقوا بالطائف) قال الداودي: يعني من المشركين وكان الله تعالى أزال المشركين، وقال رسوله لهم: ((لا تبرحوا حتى يؤذن لكم)) فهزم المشركون فمال القوم للغنيمة فصرف الله وجوههم وهزموا وقتل من المسلمين يومئذ سبعون.
          قال مالك: ولم يكن في عهده ◙ ملحمة هي أشد ولا أكثر قتلى منها وكانت سنة ثلاث.