مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: إذا قتل نفسه خطأً فلا دية له

          ░17▒ باب إذا قتل نفسه خطأ فلا دية فيه
          فيه حديث سلمة: خرجنا مع رسول الله إلى خيبر.. الحديث.
          ولم يبين فيه صفة قتل عامر نفسه كما ترجم له، حتى قال الإسماعيلي: ليس مطابقاً لما بوب له. وبينه قبل في كتاب الأدب: أن سيفه كان قصيراً، وفي آخره: ((قل عربي نشأ بها مثله)) بدل قوله هنا: ((وأي قتل يزيده عليه))، وفي رواية أبي ذر: ((وأي قتيل يزيد عليه)) قال ابن بطال: وأبو الفضل، وكأنه الصواب.
          واختلف فيمن قتل نفسه، / أو أصابها عمداً أو خطأً:
          فقال ربيعة ومالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري: لا تعقله العاقلة.
          وقال الأوزاعي وأحمد وإسحاق: ديته على عاقلته، فإن عاش فهي له، وإن مات فهي لورثته. واحتجوا بما روي أن رجلاً كان يسوق حماراً، فضربه بعصا فأصابت عين نفسه ففقأتها، فقضى عمر بديته على عاقلته وقال: أصابته يد من أيدي المسلمين.
          وحديث الباب حجة للأول؛ حيث لم يوجب الشارع لعامر دية على عاقلة ولا غيرها، ولو وجب عليها شيء لبينه؛ لأنه مكان يحتاج فيه إلى البيان، بل شهد له بأن له أجرين والنظر يمنع أن يجب للمرء على نفسه شيء بدليل الأطراف، فكذا النفس.
          واحتج مالك في ذلك بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا} [النساء:92] ولم يقل: من قتل نفسه خطأ، وإنما جعل العقل فيما أصاب به إنسان إنساناً، ولم يذكر ما أصابه نفسه، ثم إن الدية إنما وجبت على العاقلة تخفيفاً على الجاني، فإذا لم يجب عليه شيء لأحد لم يحتج إلى التخفيف عنه، وجعلت الدية أيضاً على العاقلة معونة للجاني فتؤدى إلى غيره، فمحال أن يؤدى عنه إليه.
          قوله: (إن له لأجرين اثنين) لعله يريد أنه نزل به من البلاء ما امتحن به حتى اختار الموت وتمناه، وهذا فسر به الهروي، قوله: ((أعوذ بك من جهد البلاء)).
          وقوله: (مجاهد) أي: في سبيل الله. وقيل: معناه جاهد في الخير مجاهد في سبيل الله، وروي: ((أنه لجاهد مجاهد)) أي: حضر مواطن من الجهاد عدة، مجاهد: جمع مجهد.
          قوله: (وأي قتل يزيده عليه) وروي: ((يزيد))، وروي: ((قتيل))، أي: أنه بلغ أرقى الدرجات وفضل النهاية، وإنما قالوا: حبط عمله؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [النساء:29] وهذا إنما هو فيمن يتعمد قتل نفسه، إذ الخطأ لا ينهى عنه أحد.
          قال الداودي: ويحتمل أن يكون هذا قبل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا}.
          قوله: (أسمعنا من هنياتك) وروي: (هنيهاتك) هنية: تصغير هناة، وأصلها: خصلات شعر.
          وفيه: جواز قول الشعر والرجز لمن يستعين به على عمل البر الذي هو فيه؛ لأن فيه معونة على السير وراحة للقلوب.