مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: إذا قتل بحجر أو بعصًا

          ░5▒ باب إذا قتل بحجر أو عصا
          ثم ساق فيه أيضاً، من حديث هشام بن زيد بن أنس بن مالك، عن جده أنس.. وترجم عليه بعد: باب: من أقاد بالحجر، وباب: إذا أقر بالقتل مرة قتل به، وباب: قتل الرجل بالمرأة.
          وقال أبو مسعود الدمشقي: لا أعلم أحداً قال في هذا الحديث: (فاعترف) غير همام، وكذا الإقرار لم يذكره غيره، وينبغي للحاكم والإمام أن يشد على أهل الجنايات ويتلطف بهم حتى يقروا ليؤخذوا بإقرارهم، بخلاف ما إذا جاءونا تائبين مستفتين، فإنه حينئذ يعرضوا منهم ما لم يصرحوا، فكان لهم في التأويل شبهة، فإذا بينوا ورفعوا الإشكال أقيمت عليهم الحدود، وإقرار اليهودي في هذا الحديث يدل أنه لم تقم عليه بينة بالقتل، ولو قامت عليه ما احتاج ◙ إلى أن يقرره حتى يقر، ولو لم يقر لما أقاد منه، نبه عليه المهلب، ومذهب مالك خلاف هذا، وأنه يقاد منه بعد القسامة.
          وفيه: دليل أنه بالشكوى والإشارة توجب المطالبة بالدم وغيره؛ لأنه ◙ طلب اليهودي بإشارة الجارية.
          وفيه: دليل على جواز وصية غير البالغ، وجواز دعواه بالدين وغيره على الناس، كذا في كتاب ابن بطال ولا نسلم له.
          والأوضاح: حلي من فضة، قاله أبو عبيدة وغيره. قال الجوهري: الأوضاح حلي من الدراهم الصحاح، قيل: وهو مأخوذ من الوضح وهو البياض، وعن صاحب ((العين)): الأوضاح جمع وضح، والوضح: حلي من فضة.
          ومعنى رض: دق. وقوله في الرواية الأخرى: فرماها يهودي بحجر، يحتمل أن يكون وضع رأسها على حجر ورماها بآخر من فوق، فهو رض، وهو رمي.
          واختلف في صفة القود:
          فقال مالك: إنه يقتل بمثل ما قتل به، فإن قتله بعصى أو بحجر أو بالخنق أو بالتغريق، قتل بمثله، وبه قال الشافعي: إن طرحه في النار عمداً حتى [مات] طرح في النار حتى يموت.
          وقال أبو حنيفة وأصحابه: بأي وجه قتل، فلا يقتل إلا بالسيف، وهو قول النخعي والشعبي، وأهل الظاهر.
          وروى ابن أبي شيبة من حديث الثوري عمن سمع الشعبي: إذا مثل بالرجل ثم قتله، فإنه يمثل به ثم يقتل، ونحوه عن إياس بن معاوية وعروة بن الزبير وميمون بن مهران وعمر بن عبد العزيز، احتجوا بحديث جابر رفعه: ((لا قود إلا بحديدة)).
          وحديث أبي بكرة رفعه: ((لا قود إلا بالسيف))، أخرجه البزار من حديث الحر بن مالك، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، عنه، وقال: أسنده الحر هكذا، وكان لا بأس به، والناس يرسلونه عن الحسن، وهو أبو حاتم: هو منكر.
          وقال ابن عدي: كلها ضعيف.
          واحتجوا أيضاً بقول ابن عباس حين بلغه أن عليًّا حرق قوماً بالنار، فقال: لو كنت أنا لقتلتهم، فإني سمعت رسول الله يقول: ((لا يعذب بالنار إلا ربها)).
          احتج الأولون بكتاب الله وسنة رسوله، قال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [النحل:126]، وقال: {فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194].
          فجعل يقال لولا المقتول أن يقتل ما قيل به وله وتأولوا قوله: لا قود إلا بحديدة علي بقدر صحته وأنى له ذلك يعني: إذا قتل بها بدليل حديث أنس.
          فإن قيل: حديث الباب لا حجة فيه لأن المرأة كانت حية والقود لا يجب في حي قيل: إنما قبله الشارع بعد موتها / ؛ لأن في الحديث أنه ◙ قال لها فلان قتلك على أنها ماتت ساعتئذ لأنها سيقت إلى رسول الله وهي تجود بنفسها ولم تقدر على النطق فلما ماتت استقيد لها من اليهودي بالحجر فكان ذلك سنة لا يجوز خلافها.
          قال الطحاوي: احتج بحديث الباب من قال فيمن يقول عند موته: إن مت ففلان قتلني: إنه يقبل منه، ويقتل الذي ذكر أنه قتله، وهو قول مالك والليث، وخالفهم آخرون، فقالوا: لا يجوز أن يقتل أحد مثل هذا، وهو قول بعض متأخري المالكية أيضاً.
          وإنما قتل الشارع اليهودي لاعترافه، لا بالدعوى، وقد بين ذلك ما أجمعوا عليه، ألا ترى لو أن رجلاً ادعى على رجل دعوى قتل أو غيره فسئل المدعى عليه عن ذلك، فأومأ برأسه أي: نعم أنه لا يكون بذلك مقرًّا، فإذا كان إيماء المدعى عليه برأسه لا يكون إقراراً منه كان إيماء المدعي برأسه أحرى أن لا يوجب له حقًّا.
          وأجمعوا لو أن رجلاً ادعى في حال موته أن له عند رجل درهماً ثم مات أن ذلك غير مقبول منه، وأنه في ذلك كهو في دعواه في حال الصحة، فالنظر على ذلك أن تكون دعواه الدم في تلك الحال، كدعواه ذلك في حال الصحة، قال لهم أهل المقالة الأولى: قول المقتول: دمي عند فلان في حال تخوفه الموت، وعند إخلاصه وتوبته إلى الله تعالى عند معاينة فراقه الدنيا أقوى من قولكم في إيجاب القسامة بوجود القتيل فقط في محلة قوم، وبه أثر، فيحلف أهل ذلك الموضع أنهم لم يقتلوه، ويكون عقله عليهم فألزموا العاقلة ما لم تثبت عليهم بغير بينة ولا إقرار منهم، وألزموه جناية عمد لم تثبت أيضاً ببينة ولا إقرار، بقول المقتول: هذا قتلني أقوى من قسامة الولي إذا كان قرب وليه وهو مقتول رجلاً معه سكين، لجواز أن يكون غيره قتله.
          أقول:
          حكى أبو الفضل في ((المدارك ترجمة أصحاب مالك)) ♥ قال الشيخ أبو محمد اللؤلؤي المالكي من المغاربة هو في مرتبة ابن أبي زيد كان يقول لمسألة القدمية ولو كانت بيضاء وهي عبارة أن يقول الرجل الضعيف فلان قتلني سواء كان فيه جرح أم لا، وكان للشيخ أبي محمد جار وللجار بستان فأقام نحو عشرين سنة يسأله في بيع بستان وهو يمتنع فلما مرض صاحب البستان دخل عليه الشيخ أبو محمد فقال له: كيف حالك فقال بخير وفرح بقدومه كثيراً فعالجه في البستان على أن يبيعه إياه فقال نعم ابعث خلف شاهدين فبعث خلف شاهدين فحضرا فقال: اشهدا على أن الشيخ أبا محمد قاتلي إذا أنا مت في مرضي هذا فقال له: ما هذا فقال لا ريب فيه أبداً وصمم على ذلك ودخل عليه الناس فلم يرجع فعاودوه فأتى يوم فقال أما الرجوع عن ذلك فلا يمكن أبداً وإنما أسقطت عنه القصاص المترتب على موتي لا غير، فلما شاهد أبو محمد اللؤلؤي ذلك رجع عن قوله بالقدمية مطلقاً كذا حكاه عنه القاضي في ((المدارك)).
          والعمل بها هو المذهب اليوم عند المالكية.