مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب كم التعزير والأدب؟

          ░42▒ باب كم التعزير والأدب
          فيه أحاديث:
          حديث سليمان بن يسار، وحديث جابر أيضاً وحديث عبد الرحمن بن جابر وحديث عقيل عن الزهري.
          وحديث سالم عن أبيه.
          وحديث عائشة: ما انتقم رسول الله لنفسه.
          حديث أبي بردة أخرجه (م) والأربعة، ووهم من نفاه عن (ن).
          ورواه الطبراني بلفظ: ((لا يحل لأحد أن يضرب أحداً فوق عشرة أسواط)).
          واختلف في مبلغ التعزير على أقوال:
          1- لا يزاد على عشر جلدات إلا في حد. قاله أحمد وإسحاق.
          2- روي عن الليث أنه قال: يحتمل أن لا يتجاوز بالتعزير عشرة أسواط، ويحتمل ما سوى ذلك.
          وروى ابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه أمر زيد بن ثابت أن يضرب رجلاً عشرة أسواط.
          وعنه رواية ثانية: أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري أن لا تبلغ بنكال فوق عشرين سوطاً. وفي رواية أخرى: أن لا تبلغ في تعزير أكثر من ثلاثين جلدة. وهو القول الثالث والرابع.
          5- قاله الشافعي في قوله الآخر: لا يبلغ به عشرين سوطاً؛ لأنها أبلغ الحدود في العبد في شرب الخمر؛ لأن حد الخمر في الحر عنده في الشرب أربعون.
          6- قاله أبو حنيفة ومحمد: لا يبلغ به أربعين سوطاً، بل ينقص منه سوطاً؛ لأن الأربعين أقل الحدود في العبد في الشرب والقذف، وهو أحد قولي الشافعي.
          7- قاله ابن أبي ليلى وأبو يوسف: أكثره خمسة وسبعون سوطاً.
          8- قاله مالك: التعزير ربما كان أكثر من الحدود إذا أدى الإمام اجتهاده إلى ذلك. وروي مثله عن أبي يوسف وأبي ثور.
          قال ابن المنذر: لم نجد في عدد الضرب والتعزير خبراً عن رسول الله ثابتاً، وكل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن للإمام أن يعزر في بعض الأشياء، قال: واختلف في المقدار الذي يعزر الإمام من وجب عليه التعزير.
          وروى مقالة أن قدره على قدر الجرم، وهو قول مالك، وقد روي عنه أنه أمر بضرب مائة وحبس سنة في باب من العقوبات، وهو مذهب أبي ثور أن يضرب أكثر من الحد إذا كان الجرم عظيماً.
          وقالت طائفة: لا يتجاوز تسعة فأقل وهو قول الليث وأصحابنا.
          ونقل ابن التين عن الطحاوي أنه لا يجوز اعتبار التعزير بالحدود؛ لأنهم لا يختلفون أن التعزير موكول إلى اجتهاد الإمام فيخفف تارة ويشدد أخرى، فلا معنى لاعتبار الحد فيه، ويجوز مجاوزته له.
          وذكر ابن الفضل أن معن بن زائدة / زور كتاباً على عمر، ونقش مثل خاتمه، فجلده مائة، ثم شفع له قوم؛ فقال: أذكرتني الطعن وكنت ناسياً، فجلده مائة أخرى، ثم مائة، ثلاث مرار بحضرة العلماء، ولم ينكر ذلك أحد، قال: فثبت أنه إجماع.
          قلت: عمر هذا ليس ابن الخطاب ولعله عمر بن عبد العزيز فإن سن معن يصغر عن ذلك.
          قال ابن القصار: ولما كان طريق التعزير إلى اجتهاد الإمام على حسب ما يغلب على ظنه أنه يردع به، وكان في الناس من يردعه الكلام، وكان فيهم من لا يردعه مائة سوط، وهي عنده كضرب المروحة، فلم يكن للتحديد فيه معنى، وكان مفوضاً إلى ما يؤديه اجتهاده بأن يردع مثله.
          وقال الداودي: لم يبلغ مالكاً هذا الحديث، يعني: حديث الباب وكان يرى العقوبة بقدر الذنب، ويرى ذلك موكولاً إلى اجتهاد الأئمة وإن جاوز ذلك الحد، وقد استشاره أمير في رجل ضم صبيًّا إلى صدره فقيل ذلك إلى السلطان فضربه فانتفخ منها حتى مات، ولم ينكر مالك ذلك عليه.
          وفي ((المعرفة)) للبيهقي أتي علي برجل فقالوا: وجدناه تحت فراش امرأة فقال: لقد وجدتموه على نتن فانطلقوا إلى نتن مثله فمرغوه فيه، فمرغوه في عذرة وخلى سبيله.
          قال الشافعي: وهم يخالفون هذا ويقولون: يضرب ويرسل. وعن ابن مسعود: أنه وجد امرأة مع رجل في لحافها على فراشها فضربه خمسين، وأقره على ذلك عمر.
          قال ابن حزم: الحد في سبعة أشياء: الردة، والحرابة قبل أن يقدر عليه، والزنا، والقذف بالزنا، وشرب المسكر سكر أو لم يسكر، والسرقة، وجحد العارية. وأما سائر المعاصي ففيها التعزير فقط وهو الأدب، ومن ذلك أشياء رأى فيها قوم من المتقدمين حدًّا واجباً، وهي القذف بالخمر والتعريض، وشرب الدم، وأكل الخنزير والميتة، وفعل قوم لوط، وإتيان البهيمة، والمرأة تستنكح البهيمة، وسحق النساء، وترك الصلاة غير جاحد، والفطر في رمضان، والسحر.