مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: البكران يجلدان وينفيان

          ░32▒ باب البكران يجلدان وينفيان
          فيه حديث زيد بن خالد الجهني قال: سمعت رسول الله صلعم فيمن زنى.. الحديث.
          وأخبر عروة بن الزبير.. إلى آخره.
          وحديث أبي هريرة أنه ◙ قضى فيمن زنى ولم يحصن الحديث.
          تفسير ابن عيينة رويناه في ((تفسيره))، وأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع، عنه، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بزيادة: يقطع ولا يعطل. وحديث أبي هريرة اختصره هنا، وسيأتي مطولاً، وكذا حديث زيد بن خالد، وهذه الآية وهي {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور:2] ناسخة لقوله: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ} الآية [النساء:15]، ولقوله: {وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء:16] فكل من زنا منهما أوذي إلى الموت. قال مجاهد: بالسب، ثم نسخ ذلك بهذه الآية.
          واختلف هل هذه الآية خاصة في الأبكار أو عامة في كل شيء وتضرب الثيب ثم ترجم؟(1)
          والطائفة في الآية أربعة كما قال ابن عباس.
          قال الزجاج: ولا يجوز أن تكون الطائفة واحد؛ لأن معناها معنى الجماعة، والجماعة لا تكون أقل من اثنين. وقال غيره: لا يمتنع ذلك على قول أهل اللغة؛ لأن معنى طائفة قطعة، يقال: أكلت طائفة من الشاة؛ أي: قطعة منها. وروي عن مجاهد في قوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات:9] أنهما كانا رجلين.
          قوله: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً} [النور:3] أصلها: أنه كان في الجاهلية نساء يزنين فأراد ناس من المسلمين نكاحهن، فنزلت، قاله مجاهد والزهري وقتادة، وقال الحسن: الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله.
          وروي عن ابن عباس: النكاح هنا: الجماع.
          وفي الحديث تغريب البكر مع الجلد، وكذا في حديث العسيف، وهو حجة على أبي حنيفة ومحمد في إنكاره التغريب، وعند مالك تنفى البكر الحر، ولا تغرب المرأة ولا العبد.
          وقال الثوري والأوزاعي والشافعي: تغرب المرأة والرجل.
          واختلف قول الشافعي في نفي العبد. قال ابن المنذر: وهو قول الراشدين يعني: تغريب البكر بعد جلده روي عن الخلفاء الأربعة وأبي بن كعب وابن عمر، وبه قال أئمة الأمصار، وقد قيل: التغريب: بأنه التعزير، فيرجع إلى رأي الإمام فيه، إن شاء فعله. ويرد عليه قوله: ((لأقضين بينكما بكتاب الله))، ثم قضى بالتغريب.
          قال ابن بطال: وأجمعوا على أن قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور:2] في زنا الأبكار خاصة؛ لما ثبت من حد الثيب أنه الرجم. وقال عمر على رءوس الناس كافة: الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن ولم يكن في الصحابة مخالف، فكان إجماعاً.
          وحجة أبي حنيفة ظاهر القرآن فإنه لا نفي فيه، وقد سلف الرد عليه، فلا معنى لقوله بخلافه للسنة الثابتة، ألا ترى أنه أقسم في حديث العسيف: ((لأقضين بينكما بكتاب الله))؟! فقضى به على العسيف، فكان فعله بياناً لكتاب الله، فهو إجماع الصحابة وعليه عامة العلماء، فسقط قول من خالفه / .
          واختلف في المسافة التي يغرب إليها، فروي عن عمر أنه قال: فدك، ومثله عن ابنه، وبه قال عبد الملك، وروي عن علي من الكوفة إلى البصرة. وقال الشعبي: ينفيه من عمله إلى غيره. وقال مالك: يغرب عاماً في بلد يحبس فيه؛ لئلا يرجع إلى البلد الذي نفي منه. وعن أحمد: إلى قدر ما تقصر فيه الصلاة.
          وقال أبو ثور: إلى ميل وأقل منه. وقال ابن المنذر: يجزئ من ذلك ما يقع عليه اسم النفي قل أو كثر. ولا حجة لمن جعل لذلك حدًّا.
          وعندنا: لا تغرب المرأة وحدها بل مع زوج أو محرم، واحتج لمالك أنها لا تغرب خوف هتك حرمتها، وقال ◙: ((لا تسافر المرأة إلا ومعها ذو محرم))، وخروج المحرم معها فيه عقوبة من لم يزن. واحتج له في العبد بأنه لا وطن له حتى يعاقب بإخراجه عنه، فلا حاجة إلى تغريبه إذ حاله يستوي في كل البلاد.
          واختلف في مواضع الضرب والرجم، قال مالك: الحدود كلها الزنا والخمر والفرية والتعزير لا يضرب إلا في الظهر، ولا تضرب الأعضاء. وقال أبو حنيفة: تضرب الأعضاء كلها إلا الفرج والرأس والوجه.
          وقال الشافعي: يتقى الفرج والوجه. وروي ذلك عن علي، وبه قال ابن شعبان، وأما الرجم إذا لم يحفر للمرجوم فقال الأبهري: ما قدمناه عنه لا يحفر له؛ لأن الرجم يجب أن يكون على سائر الجسد، فإذا حفر له غاب شيء من بدنه عن الرجم، واستحسن قول مالك أنه يجلد في الظهر؛ لقوله ◙: ((البينة وإلا حد في ظهرك)).


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: ذكر أن بعض حلفاء بني أمية قال لابنه يا ابن الزانية فقال ابنه {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً} فلم يحر جواباً)).