مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الرجم في البلاط

          ░24▒ باب الرجم بالبلاط
          فيه حديث ابن عمر: أتي النبي صلعم بيهودي ويهودية الحديث وسلف في المناقب في باب قوله: {يَعْرِفُونَهُ} [البقرة:146].
          و(أحدثا): أي: زنيا.، و(تحميم الوجه) تسخيمه بالفحم. وفي رواية للبخاري: ((تسخم وجوههما)) وفي أكثر نسخ (م): يحملهما بالحاء واللام وروي بالجيم.
          والتحتية بمثناة فوق ثم جيم ثم موحدة ثم مثناة تحت ثم هاء أن يحمه وجوه الزانين ويحملا على بعير أو حمار ويخالف بين وجوههما، وأصلها أن يحمل اثنان على دابة ويحمل معاً أحدهما إلى قفا الآخر.
          قوله يحيى: قال أبو عبيد: يرويه أهل الحديث: يجني، وإنما هو: يجنأ مهموز. قال الجوهري: جنى الرجل على الشيء يجنو جنوءاً إذا انكب فإن كان ذلك من خلفه قيل: حنى، ومنه قيل للترس إذا صنع معيباً محنًّا.
          قال ابن التين: ورويناه هنا أجنأ مهموز بالجيم رباعي، وهو في ((الصحاح)) ثلاثي، وعند الهروي مثل ما رويناه.
          قال يقال: أجنى عليه يجنو جنأ إذا أكب عليه يقيه شيئاً.
          وتبويبه بما ذكر؛ لأجل ما ذكر في الحديث، وهو بفتح الباء وكسرها.
          قال أبو عبد الله الحموي ياقوت: هو موضع مبلط بالحجارة بين مسجد رسول الله والسوق وقول الشاعر:
لولا رجاؤك ما زرنا البلاد وما                     كان البلاط لنا أهلاً ولا وطنا
          هو غير البلاط، وهو قرية بالغوطة، وبلاط عوسجة حصن من أعمال سنترية بالأندلس، وبلاط: كانت قصبة الجوار من نواحي حلب، وبلاط: موضع بالقسطنطينية كان مجلساً للأسرى أيام سيف الدولة بن حمدان.
          وأما ابن بطال فقال: تبيوبه بذلك لا يقتضي معنى، والبلاط وغيره من الأمكنة سواء، وإنما ترجم به؛ لأنه مذكور في الحديث.
          قال الأصمعي: البلاط: الأرض الملساء. وقال ابن فارس: هو كل شيء فرشت به الدار من حجر وغيره.
          زاد ابن التين: لعل فائدة التبويب أنها أرض لا يحفر فيها، وأغفلا ما أقر[ر]ناه أولاً.
          ذكر ابن إسحاق، عن الزهري، عن أبي هريرة أن هذا الحديث كان حين قدم رسول الله إلى المدينة.
          وجاء في (د) أنه ◙ راح إلى بيت المدراس، وسأل اليهود عن / حكم الزانيين، ويحتمل أحد معنيين:
          إما أن يكون لما أراد الله من تكذيبهم وإظهار ما بدلوه من حكمه تعالى، ولذلك ألقى الله تعالى في قلوبهم التحاكم إليه، وأعلمه أن في التوراة حكم الله في ذلك؛ لقوله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ} [المائدة:43].
          ثانيهما: أن يكون حكم الرجم لم ينزل بعد، وقد روى معمر، عن ابن شهاب قالوا: بلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة:44] فكان رسول الله منهم.
          قوله: (فرأيت اليهودي أحنى عليها) فيه دليل أنه لا يحفر للمرجوم ولا للمرجومة؛ لأنه لو كان حفيراً ما استطاع أن يحنى عليها، وبه استدل مالك، وسلف في الباب قبله.
          وفيه حجة للثوري أن المحدود لا يقعد ويضرب قائماً، والمرأة تقعد، والحديث يدل له، فإنه كان يجنأ عليها، وقال مالك: الرجل والمرأة في الحدود كلها سواء لا يقام واحد منهما ويضربان قاعدين، ويجرد الرجل ويترك على المرأة ما يسترها ولا يقيها الضرب، وقال الشافعي والليث وأبو حنيفة: الضرب في الحدود كلها قائماً مجرداً غير ممدود إلا حد القذف فإنه يضرب وعليه من ثيابه ما لا يقيه الضرب.
          قوله: (فإذا آية الرجم تحت يده)، قيل: في ذلك نزل: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [النساء:46].
          واحتج به أصحاب أبي حنيفة على جواز شهادة الكفار بعضهم على بعض لأنه رجمهما بقولهم، وأجاب المخالف بالمنع، وأن الشافعي روى فيه أنه ◙ سألهما فأقرا، فكان الرجم بالإقرار.
          قال ابن الطلاع: ويجوز أن يكون بوحي أو بشهادة مسلمين.
          ولابن إسحاق أنهم قالوا: إن حكم فيهم بالتجبيه فاتبعوه فإنه ملك وصدقوه، وإن هو حكم بالرجم فإنه نبي فاحذروه قال: ما في أيديكم أن تسألوه.
          وفيه: فجاء رسول الله بابن صوريا وكان غلاماً شابًّا، فلما ناشده، قال: اللهم نعم، أما والله يا أبا القاسم إنهم ليعرفون أنك نبي مرسل، ولكنهم يحسدونك.
          قال أبو محمد بن حزم: جاء عن علي أنه قال: لا حد على أهل الذمة في الزنا. وعن ابن عباس: لا حد عليهم في السرقة.
          وقال أبو حنيفة: لا حد على أهل الذمة في الزنا ولا في شرب الخمر، وعليهم الحد في القذف والسرقة إلا المعاهد، لكن يضمنهم. وقال محمد بن الحسن: لا أمنع الذمي من الزنا ولا من شرب الخمر، وأمنعه من الغناء.
          وقال مالك: لا حد على أهل الذمة في الزنا ولا في شرب الخمر، وعليهم الحد في القذف والسرقة، وقال الشافعي وأبو سليمان وأصحابهما: عليهم الحد في كل ذلك، قال تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ} الآية [المائدة:49].
          واختلف في الحكم بينهم إذا ترافعوا إلينا، أواجب ذلك علينا أم نحن مخيرون به؟ فقال جماعة من فقهاء الحجاز والعراق: إن الإمام أو الحاكم مخير إن شاء حكم بينهم إذا ترافعوا إلينا بحكم الإسلام، وإن شاء أعرض عنهم.
          وقالوا: إن قوله: {فَإِن جَآؤُوكَ} [المائدة:42] محكمة لم ينسخها شيء، وممن قال ذلك مالك بن أنس والشافعي في أحد قوليه، وهو قول عطاء والشعبي والنخعي، وروي ذلك عن ابن عباس في قوله {فَإِن جَآؤُوكَ} [المائدة:42] قال: نزلت في بني قريظة وهي محكمة، وقال عامر والنخعي: إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم وقال الزهري: مضت السنة أن يرد أهل الذمة في حقوقهم ومعاملاتهم ومواريثهم إلى أهل دينهم إلا أن يأتوا راغبين في حكمنا فيحكم بينهم بكتاب الله.
          وقال آخرون: واجب على الحاكم أن يحكم بينهم إذا تحاكموا إليه بحكم الله تعالى، وزعموا أن قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ} [المائدة:49] ناسخ للحكم بينهم في الآية الأولى، روي ذلك عن ابن عباس / من حديث سفيان بن حسين والحكم، عن مجاهد.
          وبه قال الزهري وعمر بن عبد العزيز والسدي، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، وهو أحد قولي الشافعي إلا أن أبا حنيفة قال: جاءت المرأة والزوج فعليه أن يحكم بينهما بالعدل، وإن جاءت المرأة وحدها ولم يتعرض(1) الزوج لم يحكم، وقال صاحباه: يحكم، وكذا اختلف أصحاب مالك، وقال الشافعي: ليس الحاكم بالخيار في أحد من المتعاهدين الذين يجري عليهم أحكام الإسلام إذا جاءوه في حد لله، فعليه أن يقيمه؛ لقوله تعالى: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل:37] واختاره المزني.


[1] لعل الصواب: ((يرض)).