مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: لا يثرب على الأمة إذا زنت ولا تنفى

          ░36▒ باب لا يثرب على الأمة إذا زنت
          فيه حديث الليث عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعاً: ((إذا زنت الأمة وتبين زناها)) الحديث.
          استدل بهذا الحديث من لم يوجب النفي على النساء أحراراً كن أو إماءً ولا على العبيد.
          روي ذلك عن الحسن وحماد، وهو قول مالك والأوزاعي وعبد الله بن الحسن وأحمد وإسحاق.
          وقال الشافعي وأبو ثور: عليهن النفي وعلى الإماء والعبيد، وهو قول ابن عمر. واحتج الشافعي بعموم قوله ◙: ((من زنى ولم يحصن فعليه حد مائة وتغريب عام))، فعم ولم يخص، وبقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:25]، والتغريب له نصف.
          وفيه إقامة السيد الحد على عبده، وهي مسألة خلافية، قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور: نعم في الحدود كلها، وبه قال جماعة من الصحابة، وأقاموا الحدود على عبيدهم، منهم ابن عمر وابن مسعود وأنس بن مالك، ولا مخالف لهم من الصحابة. وقال الثوري في رواية الأشجعي: يحده المولى في الزنا، وبه قال الأوزاعي، وخالف مالك والليث فقالا: يحده في الزنا والشرب والقذف إذا شهد عنده الشهود لا بإقرار العبد إلا القطع خاصة، فإنه لا يقطعه إلا الإمام. وقال الكوفيون: لا يقيمها إلا الإمام خاصة، فإذا علم السيد أن عبده زنى يوجعه ضرباً ولا يبلغ به الحد، وهو قول الحسن بن حي، وحجتهم ما روي عن الحسن وعبد الله بن محيريز وعمر بن عبد العزيز أنهم قالوا: الجمعة والحدود والزكاة والنفي والحكم إلى السلطان خاصة.
          واحتج الأول بحديث الباب حيث قال: ((فليجلدها))، وسائر الحدود قياساً على الجلد الذي جعله إلى السيد. وروي عن ابن عمر وابن مسعود وأنس وغيرهم أنهم كانوا يقيمون الحدود على عبيدهم، ولا مخالف لهم من الصحابة.
          وحجة مالك ظاهر حديث أبي هريرة، وإنما استثنى القطع؛ لأن فيه مثلة بالعبد فيدعي السيد أن عبده سرق ليزيل عنه العتق الذي يلزمه بالمثلة على من يراه، فمنع قطعاً للذريعة، وحد الزنا وغيره لا مثلة فيه فلا تهمة عليه.
          وقال ابن المنذر: يقال للكوفيين: إذا جاز ضربه تعزيراً وذلك غير واجب على الزاني ومنع مما أطلقته السنة، فذلك خلاف السنة الثابتة. قال الزهري: مضت السنة أن يحد العبد / والأمة أهلوهم في الزنا إلا أن يرفع أمرهم إلى السلطان فليس لأحد أن يفتات عليه.
          وقد سلف حديث: ((أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم)) قال ابن أبي ليلى: أدركت بقايا الأنصار يضربون الوليدة من ولائدهم إذا زنت في مجالسهم.
          قوله: (ولا يثرب) يدل على أن كل من وجب عليه حد وأقيم عليه أنه لا ينبغي أن يثرب عليه ولا يعدد، وإنما يصلح التثريب واللوم قبل مواقعة الذنب للردع والزجر عنه.
          قوله: (ليبعها ولو بضفير) معناه عند الفقهاء: الندب والحض على مباعدة الزانية؛ لما في السكوت على ذلك من خوف الرضا به، وذلك ذريعة إلى تكثير أولاد الزنا(1)، وقد قالت أم سلمة: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم، إذا كثر الخبث)) قال بعض أهل العلم: الخبث: أولاد الزنا.
          وقال أهل الظاهر بوجوب بيعها إذا زنت الرابعة وجلدت، ولم يقل به أحد من السلف، وكفى بهذا جهلاً، ولا يشتغل بهذا القول لشذوذه، وقد نهى الشارع عن إضاعة المال فكيف يبيع أمة لها قيمة بحبل شعر لا قيمة له، إنما أراد بذلك النهي عنها والأمر لمجانبتها، فخرج لفظه على المبالغة في ذلك، وهذا من فصيح كلام العرب.
          واستنبط بعضهم من هذا الحديث جواز الغبن في البيع وأن المالك الصحيح جائز له أن يبيع ماله العدد الكبير بالتافه اليسير، وهو متفق عليه إذا عرف قدر ذلك.
          واختلف إذا لم يعرف قدره هل يجوز ذلك، وحد بعض البغاددة بالثلث من الثمن على القول برد ذلك، واستبعد بعضهم هذا الاستنباط، وإنما المراد أن تشترى هذه الأمة لا يكاد يبذل فيها إلا اليسير، هذا غالب العادة في شراء المعيب، فلهذا حض بائعها على ذلك.
          والضفير هو الحبل، وعبارة الداودي: الذي يضفر على ثلاث فيصير عريضاً. وقال أهل اللغة: الضفير يحل الشيء من الشعر وغيره عريضاً، والضفيرة: كل خصلة من الشعر على حدتها.
          والتثريب: اللوم والتعيير واستنبط منه الداودي أن من عير حرة أو أمة بعد أن حدت يؤدب لها.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: ويمكن لأهل الظاهر أن يقولوا إنما أوجبنا بيعها بثمن مثلها حيث يوجد فإنها قد تتوب ويرغب فيها الراغبون يحصل جهده فيها من الجمال وعمل الأشغال لا يخيل من يشعر حقيقة، ونحن نعلم أن ذلك من الشارع مبالغة وهذا يعضد ما قلناه؛ لأن الشارع إذا بالغ في تعليل الثمن فهو أقوى دليل على وجوب بيعها وهذا ظاهر من أهل الظاهر فتأمله)).