مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: من أصاب ذنبًا دون الحد فأخبر الإمام فلا عقوبة عليه

          ░26▒ باب من أصاب ذنباً دون الحد
          قال عطاء.. إلى آخره.
          فيه حديث أبي هريرة في المواقع أهله في رمضان. وسلف في الصوم وغيره.
          وفي آخره: قال: على أحوج مني؟ ما لأهلي طعام. قال: ((فكلوه)).
          وفي بعض النسخ: قال أبو عبد الله / : الحديث الأول أبين.
          قوله: أطعمه أهلك، قول عطاء: كان مراده حديث المجامع أيضاً كقول ابن جريج، ويجوز أن يريد حديث ابن مسعود أيضاً، وقال الداودي: لعله يريد الذي قال: أتيت امرأة ففعلت بها كل شيء إلا الوطئ.
          وحديث أبي عثمان، عن ابن مسعود المشار إليه فهو أبين شيء في الباب، وقد ساقه بطوله في باب: الصلاة كفارة، في الرجل الذي أصاب من امرأة قبلة، فأخبره فنزل: {أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} الآية [هود:114]، وفي رواية: قم فصل ركعتين، وفي أخرى: فأقم علي ما شئت. الحديث.
          وقد أجمع العلماء فيما حكاه ابن بطال: أن من أصاب ذنباً فيه حد أنه لا ترفعه التوبة، ولا يجوز للإمام إذا بلغه العفو عنه. ومن التوبة عندهم أن يطهر ويكفر بالحد إلا الشافعي، فذكر عنه ابن المنذر أنه قال: إذا تاب قبل أن يقام عليه الحد سقط عنه.
          قلت: مراده بالنسبة إلى الباطن، أما بالنسبة إلى الظاهر فالأظهر من مذهبه عدم سقوطه.
          وأما من أصاب ذنباً دون الحد ثم جاء تائباً فتوبته تسقط عنه العقوبة، وليس للسلطان الاعتراض عليه، بل يؤكد تقربه في التوبة ويأمره بها، لينتشر ذلك فيتوب المذنب.
          ألا ترى أنه ◙ لما فهم من المجامع في رمضان الندم على فعله من صورة فرحه وقوله: (احترقت) لم يعاقبه ولا ذنبه، بل أعطاه ما يكفر به، وقد قال للرجل الذي قال: إني أصبت حدًّا فأقمه علي: ألست قد صليت معنا؟ فلم يستكشفه عنه، فدل أن الستر أولى؛ لأن في الكشف عنه نوع تجسس المنهي عنه وجعلها شبهة دارئة للحد، وجائز أن يظن ما ليس بحد حدًّا، فكان ذلك مما يكفر بالوضوء والصلاة، وأطلع الله رسوله على ذلك، ولما لم يقم بالكناية دون الإفصاح وجب ألا يكشف عليه؛ لأن الحد لا يقام بالشبهة بل يدرأ بها.
          وحجة كونها غير ساقطة للحد إخبار الشارع عن توبة الجهنية والغامدية وإقامة الحد عليهما، والسقوط خاص بالمحاربين دون غيرهم، ولا يحتج في ذلك بحديث أنس الآتي في الباب بعد، حيث قال: أصبت حدًّا، لما أسلفنا من احتمال أنه ظنه حدًّا وليس بحد، وقال الخطابي: يحتمل أن يكون الله أوحى إليه أنه قد غفر له ذنبه ولو أفصح بذكر الحد لأقامه عليه ولم يعف عنه.
          قوله: (ولم يعاقب عمر صاحب الظبي) يعني: حيث حكم على قبيصة بن جابر في الظبي بشاة، وهو وعبد الرحمن بن عوف، فقال قبيصة: قلت يا أمير المؤمنين إن أمره أهون من أن تدعو أحداً يحكم معك، قال: فضربني بالدرة حتى سابقته عدواً، ثم قال: قتلت الصيد وأنت محرم ثم تغمض الفتوى.
          والقصة أخرجها مالك عن عبد الملك بن قرير، عن محمد بن سيرين أن رجلاً جاء إلى عمر فقال: إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبياً ونحن محرمان فماذا ترى؟ فقال عمر إلى [رجل] جنبه: تعال حتى أحكم أنا وأنت قال: فحكما عليه بعنز، فولى الرجل فدعاه فسأله: هل تقرأ سورة المائدة؟ قال: لا، قال: فهل تعرف هذا الرجل الذي حكم معي؟ قال: لا، قال: فقال عمر: لو أخبرتني أنك تقرأ سورة المائدة لأوجعتك ضرباً، ثم قال: إن الله تعالى يقول في كتابه: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:95]، هذا عبد الرحمن بن عوف.