مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الرجم بالمصلى

          ░25▒ باب الرجم بالمصلى
          فيه حديث جابر أن رجلاً من أسلم.. الحديث.
          وسلف في باب: لا يرجم المجنون والمجنونة.
          والمصلي هنا مصلى الجنائز يوضحه ما في الرواية الأخرى بقيع الغرقد، واعترض ابن بطال وابن التين على تبويبه فقال: لا معنى لهذا التبويب، والرجم في المصلى كالرجم في سائر المواضع، وإنما يذكر بذلك؛ لأنه مذكور في الحديث.
          وهذا الرجل المعترف هو ماعز بن مالك الأسلمي، وسلف.
          وروى يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أن ماعز بن مالك أتى إلى أبي بكر الصديق فأخبره أنه زنا، فقال له أبو بكر: هل ذكرت ذلك لأحد؟ قال: لا. قال أبو بكر: استتر بستر الله، وتب إلى الله، فإن الناس يعيرون ولا يغيرون، وإن الله يقبل التوبة عن عباده، فلم تقره نفسه حتى أتى إلى عمر، فقال له مثل ما قال لأبي بكر فقال له عمر مثل ما قال له أبو بكر فلم تقره نفسه حتى أتى رسول الله وذكر الحديث.
          وفيه رجم الثيب بلا جلد، وعليه فقهاء الأمصار حيث لم يجلده الشارع وكذا في قصة الأسلمية، وخالف فيه أحمد وإسحاق بن راهويه وأهل الظاهر وابن المنذر، فقالوا بالجمع. وروي مثله عن علي وأبي والحسن بن أبي الحسن والحسن ابن حي.
          واحتجوا بحديث ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر أن رجلاً زنى فأمر به رسول الله فجلد، ثم أخبر أنه كان أحصن فأمر به فرجم، وقالوا: هكذا حد المحصن وبحديث عبادة بن الصامت الثيب بالثيب جلد مائة، حجة الجماعة: عمر بن الخطاب والزهري، ومالك في أهل المدينة، والأوزاعي وأهل الشام وسفيان وأبو حنيفة وأهل الكوفة والشافعي وأصحابه ما عدا ابن المنذر: أنه يجوز أن يكون إنما جلده لعدم علمه بإحصانه، فلما علم به رجمه.
          وحديث عبادة منسوخ بحديث ماعز والعسيف؛ لأنه ◙ رجمهما ولم يجلدهما، فثبت أن هذا حكم ناسخ لما قبله، كذا في كتاب ابن بطال عنه، وفي ((سننه)): فرماها ◙ بمثل الحمصة. يعني: الغامدية. وروي أيضاً: بجلاميد الحرة، وبوظيف البعير.
          قال (ن): ليس في شيء من الأحاديث قدر الحجر الذي يرمي به، قلت: سلف رجمه بالجلاميد، وهي الصخور الكبار، واحدها: جلمود وجلمد بفتح الجيم أيضاً، قال: وقال مالك: لا يرمي بالصخور العظام، ويأمر الإمام بذلك ولا يتولاه بنفسه، ولا يرفع عنه حتى يموت، ويخلي بينه وبين أهله يغسلونه ويصلون عليه، ولا يصلي عليه الإمام ردعاً لأهل المعاصي.
          قال الشافعي: دلت سنة رسول الله على أن جلد البكرين الحرين ثابت ومنسوخ عن الثيبين؛ لأن قوله: ((خذوا عني)) من أول ما نزل، فنسخ به الأذى والحبس عن الزانيين، فلما رجم ماعزاً ولم يجلده وأمر أنيساً بامرأة الأسلمي إن اعترفت رجمها، دل على نسخ الجلد عنهما؛ لأن كل شيء بدأ بعد أول فهو آخر.
          وقال أيضاً: لم يكن بين الأحرار في الزنا فرق إلا بالإحصان بالنكاح، وخلاف الإحصان به، وإذا كان / قول رسول الله: ((قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام)).
          ففي هذا دلالة على أنه أول ما نسخ الحبس عن الزانيين، وهذا بعد الحبس، وأن كل حد حده الزانيان فلا يكون إلا بعد هذا إذا كان هذا أول حد الزانيين.
          ونقل ابن عبد البر عن أبي بكر وعمر أنهما رجما ولم يجلدا، لكن روى ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث، ثنا أشعث، عن ابن سيرين قال: كان عمر يرجم ويجلد، وكان علي يرجم ويجلد.
          وفي رجم الغامدية دون جلدها أدل دليل على نسخ حديث عبادة؛ لأنه كان حين نزول الآية في الزناة، وذلك أنهم كانت عقوبتهم الإمساك في البيوت، فلما نزلت آية الجلد التي في سورة النور قام ◙ فقال: ((خذوا عني)) كما سلف من حديث عبادة، فكان هذا في أول الأمر، ثم رجم ◙ جماعة ولم يجلدهم معه.
          وقال ابن عباس: (كانت المرأة) إذا زنت حبست في البيت حتى تموت، وكان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير وضرب النعال فأنزل الله: {فَاجْلِدُوا} الآية [النور:2].
          قال ابن عبد البر: وثم قول ثالث، وهو أن الثيب من الزناة إن كان شابًّا رجم، وإن كان شيخا جلد ورجم، روي ذلك عن مسروق، وقالت به فرقة من أهل الحديث، وهو قول ضعيف لا أصل له، وحكاه ابن حزم عن أبي ذر وأبي بن كعب.
          قوله: (فرجم حتى مات) وجاء معناه: حتى سكت وهو بالتاء على الأشهر الأصوب لا بالنون والمعنى: مات.
          قال والدي ⌂:
          (باب إثم الزناة) فإن قلت: ما وجه تعلق الباب بالكتاب؟ قلت: ارتكاب ما حرم الله هو داخل في محاربة الله ورسوله.
          قوله: (داود) بالواو ابن أبي شبيب بفتح المعجمة وكسر الموحدة الأولى البصري مات سنة ثنتين وعشرين ومائتين.
          قوله: (بعدي) وذلك لأن آخر من بقي من الصحابة بالبصرة، و(الأشراط) العلامات، و(يشرب الخمر) أي: شرباً فاشياً بلا مبالاة، و(القيم) الذي يقوم بأمرهن ويتولى مصالحهن، وفي بعض الروايات أربعون امرأةً ولا منافاة بينهما، إذ ذكر القليل لا ينفي الكثير؛ لأنه مفهوم العدد.
          قوله: (الفضيل) مصغر الفضل بالمعجمة ابن غزوان بفتح المعجمة وإسكان الزاي وبالواو مر الحديث قريباً وبعيداً.
          قوله: (ذكوان) بفتح المعجمة وسكون الكاف وبالواو أبو صالح، و(التوبة معروضة على فاعلها بعد ذلك) يعني: باب التوبة مفتوح عليهم بعد فعلها.
          قوله: (عمرو بن علي بن بحر) ضد البر ابن كثير بفتح الكاف وكسر النون وسكون التحتانية وبالزاي، و(يحيى) أي: القطان، و(سفيان) أي: الثوري، و(منصور) أي: ابن المعتمر، و(سليمان) أي: الأعمش، و(أبو وائل) بالهمز بعد الألف شقيق بفتح المعجمة وكسر القاف الأولى، و(أبو ميسرة) ضد الميمنة عمرو بن شرحبيل بضم المعجمة وفتح الراء وسكون المهملة وكسر الموحدة وإسكان التحتانية الهمداني، و(عبد الله) هو ابن مسعود.
          و(أجل) بفتح اللام أي من أجل.
          فإن قيل: القتل أعظم سواء من أجله أو لا؟ قلت: شرط اعتبار المفهوم أن لا يكون خارجاً مخرج الغالب وهم كانوا يفعلون كذلك غالباً.
          و(الحليلة) بفتح المهملة الزوجة وإنما كان أعظم لأن الجار له من الحرمة والحق ما ليس لغيره فمن لم يراع حقه فذنبه متضاعف لجمعه بين الزنا والخيانة للجار الذي وصى الله تعالى بحفظه.
          قوله: (واصل) بكسر المهملة ابن حيان بفتح المهملة وشدة التحتانية وبالنون الأسدي، و(عمرو) أي: ابن علي الراوي، و(عبد الرحمن) أي: ابن مهدي، و(دعه) أي: اترك هذا الإسناد الذي ليس فيه ذكر أبي ميسرة بين أبي وائل وعبد الله.
          وحاصله أن أبا وائل وإن كان قد روى كثيراً عن عبد الله فإن هذا الحديث لم يروه عنه.
          فإن قلت: كيف جاز الطعن عليه وقد ثبت روايته عنه كثيراً؟ قلت: لم يطعن عليه لكنه أراد ترجيح طريق الواسطة لموافقة الأكثرين.
          قوله: (المحصن) بفتح الصاد / وكسرها؛ أي: المتزوج والمراد به من جامع في نكاح صحيح وقال الحسن: أي البصري، و(سلمة) بفتحتين ابن كهيل مصغر الكهل، و(الشعبي) بفتح المعجمة وسكون المهملة عامر، وقصته أن عليًّا ☺ جلد شراحة بضم المعجمة وبالراء الهمدانية يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة فقيل له أجمعت بين حدين عليها فقال: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله وقالت طائفة: ندب الجمع إذا كان الزاني شيخاً ثيباً لا شابًّا ثيباً، والظاهرية قالوا به مطلقاً، وقال الحازمي: بالمهملة والزاي لم تثبت الأئمة سماع الشعبي من علي وقيل للدارقطني سمع الشعبي من علي قال سمع منه حرفاً ما سمع منه غير هذا.
          قوله: (إسحاق) قال الكلاباذي: ابن شاهين بالمعجمة وكسر الهاء وإسكان التحتانية وبالنون الواسطي سمع خالد بن عبد الله الطحان، و(الشيباني) بفتح المعجمة وسكون التحتانية وبالموحدة سليمان أبو إسحاق، و(عبد الله) ابن أبي أوفى بلفظ الأفعل من الوفاء، و(سورة النور) الغرض منها قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} الآية [النور:2] يعني: هو ناسخ لحكم الآية أم لا.
          قوله: (رجلا) هو ماعز بكسر المهملة وبالزاي ابن مالك الأسلمي، و(شهد على نفسه) أي أقر واختلفوا في اشتراط تكرار إقراره أربع مرات فقال مالك والشافعي: يكفي مرة واحدة بدليل ما قال صلعم: ((اغدُ يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها))، ولحديث الغامدية بالمعجمة وكسر الميم وبالمهملة فإنها أقرت مرة.
          وأما تكراره في قصة ماعز فلأنه صلعم حسب فيه جنوناً؛ لأن الغالب أن الإنسان لا يصر على الإقرار بما يقتضي قتله من غير سؤال مع أن له طريقاً إلى سقوط الإثم بالتوبة فأراد تحقيق الأمر، ولهذا توقف بعد الرابعة أيضاً وقال: أبك جنون ونحوه وقال أبو حنيفة وأحمد لا يثبت حتى يقر أربعاً.
          و(أحصن) بالمعروف والمجهول.
          قوله: (قال علي) ☺، مر علي بمجنونة زنت وقد أمر عمر برجمها فردها عليٌّ وقال لعمر ذلك فخلى عنها، و(يدرك) أي يبلغ.
          قوله: (من سمع) قيل يشبه أن يكون ذلك هو أبو سلمة لما صرح باسمه في الروايات الأخر، و(المصلى) أي: مصلى الجنائز وهو بقيع الغرقد، و(أذلفته) بالمعجمة والقاف أي: أقلقته وأصابته بحدها، و(الحرة) أرض ذات حجارة سود، و(المدينة) بين حرتين.
          وفيه أن الإمام يسأل عن شروط الرجم والتعريض للمقر بالدفع عن نفسه وجواز استتابة الإمام في إقامة الحد.
          وفيه: أن مصلى الأعياد والجنائز ليس له حكم المسجد وأنه بمجرد الهرب لا يسقط الحد، وقال ابن بطال: إذا رجع عن إقراره فقال الشافعي وأحمد والكوفيون: يترك ولا يحد.
          قوله: (سعد) أي: ابن أبي وقاص، و(ابن زمعة) بفتح الزاي والميم وقيل: بسكونها وبالمهملة اسمه: عبد ضد: الحر اختصما في ابن أمه زمعة فقال سعد هو ابن أخي وقال عبد هو أخي، و(سودة) بفتح المهملتين زوج رسول الله صلعم بنت زمعة وقال لها: ((احتجبي)) تورعاً لشبه ذلك الابن بعتبة ابن أبي وقاص مر مراراً.
          و(للعاهر) أي: للزاني الحجر أي: الرجم وقيل: المراد الخيبة وإلا لزم أن يرجم كل الزناة.
          قوله: (محمد بن زياد) بكسر الزاي وخفة التحتانية الجمحي بضم الجيم وفتح الميم وبالمهملة.، و(البلاط) بفتح الموحدة وقيل بكسرها موضع بين مسجده صلعم والسوق والأرض المستوية والأرض المفروشة بالحجارة ونفس الحجارة.
          و(خالد بن مخلد) بفتح الميم واللام وسكون المعجمة بينهما وبالمهملة القطواني بالقاف والمهملة والواو والنون روى عنه (خ) بلا واسطة في العلم وغيره، و(سليمان) هو ابن بلال.
          قوله: (أحدثا) / أي: زنيا من أحدث إذا زنا وأحدثوا من الإحداث وهو الإيذاء، و(التحميم) تسخيم الوجه بالحمم أي: تسويده بالفحم، و(التجبية) بالجيم والموحدة من باب التفعلة الإركاب معكوساً، وقيل: أن يحمل الزانيان على حمار يقابل أنفسهما ويطاف بهما.
          و(عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام، و(أحنى) بالمهملة يقال حنت على ولدها حنوا عطفت كما جنت بالجيم والهمزة يقال جنأ عليه وأجنأ إذا أكب يعني: أكب عليها يقيها من الحجارة.
          وفيه: وجوب الحد على الكافر وأنه مخاطب بالفروع، وأما سؤاله صلعم فلم يكن لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منه، وإنما لإلزامهم ما يعتقدونه في كتابهم وقيل: هما ما كانا محصنين لأن الإسلام شرط الاحصان، بل كان ذلك منه صلعم تنفيذاً بحكم النبي السابق إذ كان عليه العمل به ما لم ينسخ مر قبيل فضائل الصحابة.
          فإن قلت: ما فائدة ذكر البلاط والمواضع كلها على السواء؟ قلت: مقصوده جواز الرجم من غير حفيرة؛ لأن المواضع المبلطة لم تحفر غالباً أو أن الرجم يجوز في الأبنية ولا يختص بالمصلى ونحوه مما هو خارج المدينة.
          قوله: (أسلم) بلفظ الماضي قبيلة؟ فإن قلت: ما باله لم ينتفع بالتوبة وهي مسقطة للإثم وأصر على الإقرار واختار الرجم. قلت: سقوط الإثم بالحد متيقن لا سيما إذا كان بأمره صلعم وأما التوبة فيخاف أن لا تكون نصوحاً فأراد حصول البراءة يقيناً.
          وفيه أنه يصلي على المقتولين بالحدود.
          الزركشي:
          (الرجم بالبلاط) الباء بمعنى عند بدليل الحديث، أو بمعنى في، وهو بفتح الباء مكان مبلط بالحجارة، وهي بقرب مسجد المدينة.
          انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (يرفع العلم) هو ضد الجهل والمراد هنا: العلم بأحكام الله تعالى المحتاج العالم أو بظهور الجهل وهو ضد العلم.
          أقول: فإن قلت: الظاهر أن يقال يوضع الجهل ليزدوج مع رفع العلم فما الفائدة في قوله ويظهر الجهل ولم يقل يوضع الجهل؟ قلت: لو قال يوضع لأوهم أن الجهل الآن مرتفع وفي ذلك الحين يوجد وليس كذلك فإن الجهل الآن موجود لكنه غير ظاهر وفي ذلك الوقت الموعود به يظهر ظهوراً طيباً.
          قوله: (أنكتها) النيك الجماع من ناك ينيك بالكسر ورجل نائك ونيّاك.
          قوله: (هل أحصنت) أصل الإحصان المنع والمرأة تكون محصنة بالإسلام وبالعفاف والحرمة وبالتزويج يقال: أحصنت المرأة فهي محصنة ومحصنة وكذلك الرجل والمحصن بالفتح يكون بمعنى الفاعل والمفعول والحصان بالفتح المرأة العفيفة والإحصان جاء لمعان.
          قال ابن المنير الكندري يقال:
شروط الإحصان ست أنت                     فخذها عن النص مستفهماً
بلوغ وعقل وحرية                     ورابعها كونه مسلما
وعقد صحيح ووطأ مباح                     من اختل شرطاً فلن يرجما
          قوله: (أن رجلاً من أسلم) هو ماعز بن مالك وقيل: اسمه غريب وماعز لقب واسم المزني بها فاطمة فتاة هزال وقيل: اسمها منيرة وقيل: غريب بالمعجمة وقيل بالمهملة.
          قوله: (ولم يعاقب عمر صاحب الظبي) أي: لما كان مجرماً وقتله بل أوجب عليه شاة واسمه قبيصة بن جابر ذكره الثعلبي وابن عطية.
          قوله: (النجيبة) أصله: أن يحمل اثنان على دابة ويجعل قفا أحدهما إلى قفا الآخر، والفراش أن يقابل بين وجهيهما لأنه مأخوذ من الجهة والنجيبة أيضاً أن ينكس رأسه فيحتمل أن يكون المحمول على الدابة إذا فعل به ذلك نكس رأسه يسمى ذلك الفعل تجبيهاً ويحتمل أن يكون من الجبة وهو الاستقبال بالمكروه وأصله من إصابة الجبهة يقال جبهته إذا أصيب بجبهته.