مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب فضل من ترك الفواحش

          ░19▒ باب فضل من ترك الفواحش
          فيه حديث أبي هريرة: ((سبعة يظلهم الله)) الحديث.
          وحديث سهل بن سعد: ((من توكل لي ما بين رجليه)) الحديث وسلفا، والمراد بـ((ما بين لحييه)): لسانه، وبـ((ما بين رجليه)): فرجه؛ لأن أكثر البلاء منهما، فمن سلم من ضررهما فقد فاز وكان له الشارع كفيلاً بالجنة.
          والتوكل: إظهار العجز والاعتماد على غيرك، والمعنى أنه: إذا ضمن له ذلك من نفسه ضمنت له أنا الجنة التي هو عاجز عن الوصول إليها، وكذلك يتكفل هو لي بما لا طاقة لي فيه من صيانة فرجه ولسانه(1).
          قوله: (لحييه) هو بفتح اللام وهو منبت اللحية من الإنسان وضبط بكسرها.
          فائدة:
          (خ) روى حديث أبي هريرة عن محمد بن سلام، عن ابن المبارك، وأما الجياني فذكره من غير نسب إلى سلام، ثم قال: محمد هذا نسبه ابن السكن والأصيلي: ابن مقاتل، ونسب في نسخة أبي الحسن: ابن سلام، قال: / والأول أصوب.
          قال والدي ⌂:
          (كتاب المحاربين) ظاهر لفظ (خ) أنه يريد بالذين يحاربون الله ورسوله في الآية الكريمة الكفار لا قطاع الطريق، وقال الجمهور: هي في حق قطاع الطريق، قال أبو حنيفة ومالك: الإمام على التخيير فيهما، وقال الشافعي: هو على التقسيم فإن قتلوا قتلهم وأن أخذوا المال أيضاً صلبهم وإن أخذوه بلا قتل قطعهم وإن أخافوا السبيل فقط نفاهم والنفي عنده التعزير بالإخراج من البلد ونحوه، وقال الجمهور من المالكية: النفي الحبس في بلد آخر وقال أبو حنيفة: الحبس في بلده، وقيل: إنه ضد النفي قاله مغلطاي في ((شرحه)).
          قوله: (الوليد) بفتح الواو ابن مسلم بفاعل الإسلام الأموي، و(الأوزاعي) بالواو والزاي وبالمهملة عبد الرحمن الشامي، و(يحيى بن أبي كثير) ضد: القليل الطائي، و(أبو قلابة) بكسر القاف وخفة اللام وبالموحدة، عبد الله الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء أريد على القضاء بالبصرة فهرب إلى الشام فمات بها، و(عكل) بضم المهملة وتسكين الكاف وباللام قبيلة، و(اجتووا) من الاجتواء بالجيم والواو؛ أي: كرهوا الإقامة بها لسقم أصابهم، واستدل المالكية به على طهارة بول ما يؤكل لحمه وروثه وأجيب بأن شربهم كان للتداوي.
          و(استاقوا) أي: طردوا الإبل لأنفسهم، و(سمل) أي: فقأها وأذهب ما فيها، و(لم يحسمهم) بالمهملتين يقال: حسم العرق كواه بالنار لينقطع دمه، مر الحديث مراراً أولها في آخر الوضوء.
          قوله: (محمد بن الصلت) بفتح المهملة وإسكان اللام وبالفوقانية، أبو يعلى كيرضى من العلو بالمهملة الفارسي، و(العرنيين) منسوب إلى: عرينة بضم المهملة وفتح الراء وسكون التحتانية وبالنون قبيلة.
          فإن قلت: سبق آنفاً أنهم من عكل؟ قلت: كانوا منهما مر في المغازي أن أناساً من عكل وعرينة كذا وكذا وإنما لم يحسمهم لأنهم كانوا كفاراً.
          قوله: (الصفة) هي سقيفة في مسجد النبي صلعم كانت مسكن الغرباء والفقراء المهاجرين، و(ابغنا) أي اطلب لنا وأبغاه الشيء طلبه له وأعانه على طلبه، و(الرسل) بكسر الراء وسكون المهملة اللبن، و(إبل رسول الله) هو كقول الخليفة أمير المؤمنين يرسم لك بكذا وهو من باب الالتفات.
          فإن قلت: سبق آنفاً أنه إبل الصدقة؟ قلت: كانوا مختلطين واسم الراعي يسار ضد اليمين.
          و(الذود) بفتح المعجمة من الإبل ما بين الثلاثة إلى العشرة، و(الصريخ) بفتح المهملة وكسر الراء وبالمعجمة، المستغيث وهو من الأضداد إذ جاء بمعنى المغيث أيضاً، و(الطلب) جمع الطالب، و(ترجل) بلفظ الماضي من الترجل بالراء والجيم وهو الارتفاع، و(ما سقوا) لأنهم كانوا كفاراً وقيل: ليس فيه أنه صلعم أمر بذلك ولا نهى عن سقيهم، قال المهلب: يحتمل أن يكون ترك سقيهم عقوبة لهم لما جازوا سقي اللبن بالكفر.
          قوله: (لقاح) بكسر اللام وبالقاف والمهملة، جمع: اللقحة وهي الناقة الحلوب، و(سمر) مخففة ومشددة أي: كحلها بمسامير، و(الحرة) بالفتح الأرض ذات الحجارة السود، وكانت قصتهم قبل نزول الحدود والنهي عن المثلة، وقيل: ليس منسوخاً وإنما فعل صلعم ما فعل قصاصاً وقيل النهي عنها نهي تنزيه.
          قوله: (محمد) قال الغساني: قال الأصيلي هو ابن مقاتل وقال القابسي بالقاف والموحدة والمهملة هو ابن سلام والأول هو الصواب.
          قوله: (خبيب) مصغر الخب بالمعجمة والموحدة المشددة، و(حفص) بالمهملتين وإضافة الظل إلى الله تعالى إضافة تشريف، إذ الظل الحقيقي هو منزه عنه؛ لأنه من خواص الأجسام / أو ثمة محذوف أي ظل عرشه، وقيل المراد منه الكنف من المكاره في ذلك الموقف الذي دنت الشمس منهم واشتد عليهم الحر وأخذهم العرق يقال فلان في ظل فلان أي: في كنفه وحمايته، و(العادل) أي الواضع كل شيء في موضعه وقال (شاب) ولم يقل رجل؛ لأن العبادة في الشباب(2) أشق وأشد لغلبة الشهوات وفي خلاء إذ لا يكون ثمة شائبة الرياء.
          فإن قلت: العين لا تفيض بل الدمع؟ قلت: أسند الفيض إليها مبالغة لقوله تعالى: {تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [المائدة:83].
          و(في المسجد) أي: بالمسجد ومعناه شديد الملازمة للجماعة فيه، و(في الله) أي: بسببه كما ورد في النفس المؤمنة مائة إبل أي: بسببها أي لا تكون المحبة لغرض دنياوي، و(تحابا) هو نحو تباعدا لا نحو تجاهلا، و(ذات منصب) أي: حسب ونسب وخصصها بالذكر لكثرة الرغبة فيها، و(لا تعلم) بالرفع والنصب وذكر اليمين والشمال مبالغة في الإخفاء؛ أي: لو قدرت الشمال رجلاً متيقظاً لما علم صدقة اليمين لمبالغته في الأسرار وهذا في صدقة التطوع.
          وفي الحديث شرائف اللطائف ذكرناها في الصلاة في باب من جلس في المجلس لا بد لك من مطالعتها.
          قوله: (محمد بن أبي بكر) المقدمي بلفظ المفعول يروي عن عمه عمر المقدمي، و(خليفة) بفتح المعجمة وبالفاء ابن خياط من خياطة الثوب العصفري بالمهملتين والفاء والراء، و(أبو حازم) بالمهملة والزاي سلمة، و(توكل) أي: تكفل، و(ما بين رجليه) فرجه، و(ما بين لحييه) لسانه وأكثر بلاء الإنسان من قبل هذين العضوين فمن سلم من ضررهما فقد سلم من العذاب مر الحديث في الرقائق.
          الزركشي:
          (من توكل لي ما بين رجليه) يريد تكفل كالرواية الأخرى، يقال: توكل بالأمر أي: ضمن القيام به، ووكلته أمري؛ أي: استكفيته إياه.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: المفهوم من الحديث أن من لم يأثم من هذين الجهتين فالتكفل من النبي ◙ حاصل له وهو مشكل؛ لأنه ربما يأثم من غير هذين الموضعين، كما أنه إذا ترك الصلاة والزكاة والحج هو آثم بلا شك، وليس من هذين الجهتين فالجواب عنه مشكل)).
[2] في المخطوط: ((العبادة)) ولعل الصواب ما أثبتناه.