مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب لم يحسم النبي المحاربين من أهل الردة حتى هلكوا

          ░16▒ باب لم يحسم النبي صلعم المحاربين من أهل الردة حتى هلكوا
          فيه حديث أنس أن النبي صلعم قطع العرنيين وسلف في الباب قبله سبب عدم حسمهم.
          وروي عن النبي صلعم أنه أمر بقطع يد رجل سرق، ثم قال: ((احسموها)). وفي إسناده مقال.
          واختلف في فعله ◙ بالعرنيين، فقالت طائفة كان هذا قبل نزول آية المحاربين، ثم نزلت الحدود بعد ذلك على رسول الله، ونهى عن المثلة، فنسخ حديث العرنيين، روي هذا عن ابن سيرين وسعيد بن جبير وأبي الزناد، وقالت طائفة: إنه غير منسوخ، وفيهم نزلت آية المحاربين، وإنما فعل بهم الشارع ما فعل قصاصاً؛ لأنهم فعلوا بالرعاء مثل ذلك، ذكره أهل السير.
          وروى محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب: أن العرنيين قتلوا يساراً راعي رسول الله صلعم، ثم مثلوا به، واستاقوا اللقاح.
          وفي رواية لأبي الشيخ في كتاب ((القطع والسرقة)) عنه: سمل رسول الله منهم اثنين وقطع اثنين وصلب اثنين، وفي رواية: كان وقع بالمدينة الموم وهو البرسام فاستوبئوها. الحديث.
          وفي رواية: كانوا من مزينة، وفي رواية من سليم.
          وبنو عرينة من بجيلة، وأنه أحرقهم بالنار بعد ما قتلهم، وما مثل قبل ولا بعد، ونهى عن المثلة.
          قال ابن بطال: فلما اختلف في تأويل هذا الحديث أردنا أن نعلم أي التأويلين أولى؟ فوجدناه قد صحب حديث العرنيين عمل من الصحابة، فدل أنه غير منسوخ، وروي عن الصديق أنه حرق عبد الله بن إياس بالنار حيًّا؛ لارتداده ومقاتلته الإسلام، وحرق علي الزنادقة.
          وفي ((علل ابن أبي حاتم)): حرق علي قوماً من الزط اتخذوا صنماً. قال علي:
لما رأيت الأمر أمراً منكراً                     أججت ناري ودعوت قنبرا
          وقد رأى جماعة من العلماء بحرق مراكب العدو، وفيها أسرى المسلمين قال المهلب: وهذا كله يدل على أن نهيه عن المثلة ليس نهي تحريم، وإنما هو على الندب والحض، فوجب أن يكون فعله بالعرنيين غير مخالف للآية.
          وذكر ابن المنذر أن بعض أهل العلم قالوا: حكمة فعله ◙ في العرنيين ثابت لم ينسخه شيء، وقد حكم الله في كتابه بأحكام، وحكم رسوله بها وزاد في الحكم ما لم يذكر فيها، هذا الزاني أوجب الله عليه جلد مائة، وزاد رسوله نفي عام، وأوجب / تعالى اللعان بين المتلاعنين، وفرق الشارع بينهما وذلك ليس في كتاب الله، وألحق الولد بالأم ونفاه عن الزوج، وأجمع العلماء على قبول ذلك والأخذ به.
          والحسم: القطع.
          وفي ((الأفعال)) حسم العرق حسماً: كواه بالنار لينقطع دمه.