مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب نفي أهل المعاصي والمخنثين

          ░33▒ باب نفي أهل المعاصي والمخنثين
          فيه حديث ابن عباس: لعن رسول الله صلعم المخنثين من الرجال الحديث وسلف في اللباس.
          وذكر هنا؛ لنعرفك أن التغريب واجب على الزاني؛ لأنه ◙ لما نفى من أتى من المعاصي ما لا حد فيه، فنفي من أتى ما فيه الحد أوجب في النظر، لو لم يكن في نفي الزاني سنة ثابتة لتبين خطأ أبي حنيفة في القياس، وذكر في الإشخاص والملازمة، والأحكام في مثل هذه الترجمة حديث أبي هريرة في تحريق بيوت المتخلفين عن الصلاة معه.
          ولعنة الشارع ما ذكر هنا، وأمره بإخراجهم يدل على أنه ينفي كل من خشيت منه فتنة على الناس في دين أو دنيا، وهذا الحديث أصل لذلك.
          والمخنث بكسر النون وفتحها مأخوذ من خنث الشيء تخنث؛ أي: عطفته فتعطف، وهو المتشبه في كلامه بالنساء تكسُّراً وتعطُّفاً. والمترجلات: المتشبهات بالرجال في كلامهم وهيئتهم. والمخنث إذا كان يؤتى رجم مع الفاعل أحصنا أو لم يحصنا عند مالك.
          وقال الشافعي: إن كان غير محصن فعليه الجلد. وكذا عند مالك إن كانا كافرين أو عبدين. وفي الكافرين يؤدبان ويرفعان إلى أهل دينهما، قاله ابن شعبان. زاد: ومن الناس من يرقى بالمرجوم على رأس جبل ثم يرميه منكوساً ثم يتبعه بالحجارة، وهو نوع من الرجم وفعله جائز. وقال أبو حنيفة: لا حد فيه إنما فيه التعزير. وهذا الفعل ليس عندهم بزنا، ورأيت عندهم أن محل ذلك ما إذا لم يتكرر، فإن تكرر قتل، وحديث: ((ارجموا الفاعل والمفعول به)) متكلم فيه، وإن كان لم يشترط إحصانهما وليس على شرطه(1).
          وقال بعض أهل الظاهر: لا شيء على من فعل هذا الصنيع، وهو من عجب العجاب، ولما حكاه الخطابي في ((معالمه)) قال: إنه أبعد الأقاويل من الصواب وأدعاها إلى إغراء الفجار به وتهوين ذلك في أعينهم، وهو قول مرغوب عنه.
          فائدة:
          قال بعض العلماء: / لا ينفى إلا ثلاثة بكران ومخنث ومحارب(2).
          ذكر الهروي أن عروة قال للحجاج: يا ابن المتمنية، أراد أمه وهي فريعة بنت الهمام، وكانت تحت المغيرة بن شعبة، وهي القائلة فيما قيل:
ألا سبيل إلى خمر فأشربها                     ألا سبيل إلى نصر بن حجاج
          وكان نصر رجلاً من بني سليم رائع الجمال تفتن به النساء، فمر عمر بن الخطاب بهذه المرأة وهي تنشد هذا البيت فدعا نصر فصيره إلى البصرة.


[1] في هامش المخطوط: ((فإنهم نظروا إلى ظاهر القرآن أنه لم يذكر فيه هذه المعصية؟ قلت: له أجوبة:
الأولى أن الأحكام جميعها ليست مذكورة في القرآن وإنما يؤخذ من الأحاديث وهذا من ذلك.
والثاني قال في النساء قالوا حرثكم وقال {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ} فإذا كانت المرأة التي هي محل الشهوة وخلقت لهذا لا يحل منها هذا الفعل ففي من لم يخلق لهذا من باب أولى وهذا ظاهر رده على أهل الظاهر فتأمله)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: المخرجون من المخنثين هيت وماتع وهدم)).