مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت

          ░31▒ باب رجم الحبلى إذا أحصنت
          كأنه يريد والله أعلم باب: هل يجب على الحبلى رجم أم لا؟
          فيه حديث ابن عباس: كنت أقرئ رجالاً من المهاجرين.. الحديث.
          وموضع الحاجة منه: إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.
          معنى قوله: (كنت أقرئ رجالاً من المهاجرين) يعني: القرآن، وهو يدل أن العلم يأخذه الكبير عن الصغير، لأن ابن عباس لم يكن من المهاجرين؛ لصغر سنه. وأغرب الداودي فقال: يعني يقرأ عليهم ويلقنونه. قال: وكان في وفاة رسول الله صلعم إنما حفظ المفصل من المهاجرين والأنصار وأخذ عنهم الحديث. قال: كنت آتي باب الرجل من الأنصار فأجلس ثم أنصرف ولا أدخل؛ إجلالاً للعلم ولو شئت لدخلت. لا جرم اعترضه ابن التين فقال: هذا خروج عن الظاهر بل عن النص؛ لأن قوله: (أقرئ رجالاً): أعلمهم وأقرئهم القرآن.
          ووقع في كلام بعض الشراح أن في ((الغرائب)) للدارقطني: هو عبد الرحمن بن عوف. وهذا قصده، فهو في (خ) كما أسلفناه.
          وقال الكوفيون: ترجم بعد الوضع على ما رواه عمران بن حصين: أن امرأة أتت رسول الله فذكرت أنها زنت، فأمر بها أن تقعد حتى تضعه، فلما وضعته أمر برجمها وصلى عليها.
          واختلف في المرأة توجد حاملاً ولا زوج لها، فقال مالك: إن قالت: استكرهت أو تزوجت، لا يقبل منها، ويقام عليها الحد إلا أن تقيم بينة على ما ادعته من ذلك أو تجيء تدما أو استغاثت حتى أتت وهي على ذلك.
          وقال ابن القاسم: إن كانت غريبة طارئة فلا حد عليها. وقال ابن التين: مذهب مالك أنها تحد. وقال محمد: لا يجب حد الزنا إلا بإقرار، ولا رجوع بعده حتى تحد، أو بشهادة أربعة على الرؤية، وبظهور حمل بامرأة غير طارئة لا يعلم لها نكاح ولا ملك، هذا قول مالك وأصحابه، وقال الكوفيون والشافعي: لا حد عليها إلا أن تقر بالزنا، أو تقوم عليها بينة، ولم يفرقوا بين طارئة وغيرها، واحتجوا بحديث: ((ادرءوا الحدود بالشبهات)).
          وقول / القائل: (لو مات عمر لقد بايعت فلانا) يعني: رجلاً من الأنصار؛ لأنه لم ير الخلافة في قريش مكتوبة في القرآن، فعرفه عمر أن ثبوت ذلك بالسنة.
          وفيه: أن رفع مثل هذا الخبر إلى السلطان واجب؛ لما يخاف من الفتنة على المسلمين، ألا ترى إنكار عمر تلك المقالة، وقال: لم نعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش. والمعروف: هو الشيء لا يجوز خلافه، وهذا يدل على أنه لم يختلف في ذلك على عهد رسول الله، ولو اختلف فيه لعلم الخلاف فيه.
          والمعروف: ما عرفه أهل العلم، والدليل على أن الخلافة في قريش أحاديث كثيرة، منها قوله ◙: ((الأئمة من قريش)).
          ومنها أنه ◙ أوصى بالأنصار من ولي من أمر المسلمين أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، فأخبر أنهم مستوصى بهم محتاجون أن يقبل إحسانهم ويتجاوز عن مسيئهم فأضر.
          وفيه: دليل واضح أنهم ليس لهم حق في الخلافة، ولذلك قال: إني لقائم العشية فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم، فالغصب لا يكون إلا أخذ ما لا يجب، وإخراج الأمر عن قريش هو الغصب.
          وفي قول ابن عوف لعمر حين أراد أن يقوم في الموسم دليل على جواز الاعتراض على السلطان في الرأي إذا خشي من ذلك الفتنة.
          وقول ابن عوف: (يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس [وغوغاءهم]) الرعاع بفتح الراء: الشباب الأوغاد، ذكره في ((الصحاح)) واحدها: رعاعة، والغوغاء ممدود: سفلة الناس وأخلاطهم، وأصله الجراد حين يخف للطيران، ثم استعير للسفلة من الناس والمسرعين إلى الشر، ويجوز أن تكون الغوغاء: الصوت والجلبة؛ لكثرة لغطهم وصياحهم.
          وفي حديث علي: وسائر الناس همج رعاع. والهمج: رذالة الناس، وذباب صغير سقط على وجوه الغنم والحمير، وقيل: هو البعوض. فشبه به رعاع الناس، يقال: هم همج هامج، على التأكيد.
          قوله قبله: (يريدون أن يغصبوهم أمرهم) الغصب: أخذ ما لا يجب. وإخراج الأمر عن قريش غصب.
          وروي كما قال ابن التين بالعين المهملة والصاد، قال: ولعله من قولهم فلان أعصب. أي: لا ناصر له. والمعصوب: الضعيف(1). ومن قولهم: عصبت الشاة إذا انكسر أحد قرنيها وأعصبتها أنا. وقيل: هي التي انكسر قرنها الداخل، وهو المشاش.
          وقال الداودي: معناه: يغصبونهم أمرهم، يعني: من غير مشورة، وإنما كان الأمر مستقيماً كلما مات خليفة اختاروا منهم، فلما صار الأمر إلى السلف عاد ملكاً.
          قوله: (يغلبون على قربك) أي: على القرب منك عند الاجتماع والمزاحمة، وروي بالنون؛ أي: مثلك. وذكره ابن التين أولاً: على ثوبك، وفسره بما سلف، ثم قال: وروي بالنون، وروي بالباء.
          وقال ابن عوف: (وأن لا يعوها ولا يضعوها على مواضعها) يدل أنه لا يجب أن يوضع دقيق العلم إلا عند أهل الفهم له والمعرفة بمواضعه دون العوام والجهلة.
          قوله: (يطيرونها عند كل مطير) أي: تتأول على غير وجهها.
          وفيه: دليل أنه لا يجب أن يحدث بحديث يسبق منه إلى الجهال الإنكار لمعناه، لما يخشى من افتراق الكلمة في تأويله.
          قوله: (فامهل حتى تقدم المدينة..) إلى آخره. فيه: دليل على أن / أهل المدينة مخصوصون بالعلم والفهم، ألا ترى اتفاق عمر مع عبد الرحمن على ذلك ورجوعه إلى رأيه.
          وفيه: الحض على المسارعة إلى استماع العلم، وأن الفضل في القرب من العالم.
          قوله: لسعيد بن زيد (ليقولن العشية مقالة) أراد به: أن ينبهه ليحضر فهمه لذلك، وأما إنكار سعيد عليه فلعلمه باستقرار الأمر من السنن والفرائض عندهم.
          قوله: (فمن عقلها ووعاها فليحدث بها) يعني: على حسب ما وعى وعقل.
          وفيه: الحض لأهل الفهم والضبط للعلم على تبليغه ونشره، وفي قوله: (ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل له أن يكذب علي) النهي لأهل التقصير والجهل عن الحديث بما لم يعلموه، ولا ضبطوه.
          قوله قبل ذلك: (فقدمنا المدينة في عقب دمه) يقال: جاء في عقب الشهر، وعلى عقبه. بفتح العين وكسر الباء إذا جاء وقد بقي منه بقية، ويقال: جاء على عقب الشهر، وفي عقبه بضم العين وإسكان القاف إذا جاء بعد تمامه.
          قوله بعده: (فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زاغت الشمس).
          فيه: دلالة لمن قال: إن الساعات المذكورة في قوله: ((من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب...)) كذا إلى آخره. أن ذلك في الساعة السابعة، وهو وجه عندنا وقول مالك، والأصح عندنا: إنها من أول النهار، وبه قال ابن حبيب منهم.
          قوله لسعيد بن زيد: (ليقولن العشية) إلى آخره.
          فيه: دليل أن عشية: من الرواح إلى الليل.
          قوله: (لعلها بين يدي أجلي) قال الداودي: يريد عند أجلي، وكان ذلك، ومات في ذلك الشهر وكان رأى رؤيا أن ديكاً نقره في بطنه ثلاث نقرات، فقيل له: علج يطعنك. وقال كعب: والله لا ينسلخ ذو الحجة حتى يدخل الجنة.
          وإدخاله في هذا الحديث آية الرجم، وأنها نزلت على رسول الله وقرئت وعمل بها، ثم قوله: (لا ترغبوا عن آبائكم) أنه كان أيضاً من القرآن ورفع خطه، فمعنى ذلك أنه لا يجب لأحد أن يتنطع فيما لا نص له فيه من القرآن، وفيما لا يعلم من سنته، ويتسور برأيه، فيقول ما لا يحل له بما سولت له نفسه الأمارة بالسوء، وبما نزغ به الشيطان في قلبه حتى يسأل أهل العلم بالكتاب والسنة عنه كما تنطع الذي قال: لو قد مات عمر لبايعت فلاناً. لما لم يجد الخلافة في قريش مرسومة في الكتاب، فعرفه عمر أن الفرائض والقرآن منه ما ثبت حكمه عند أهل العلم به ورفع حظه، فلذلك قدم عمر هاتين القصتين اللتين لا نص لهما في القرآن، وقد كانتا فيه، ولا يعلم ثبات حكمهما إلا لأهل العلم، كما لا يعرف أهل بيت الخلافة ولم تجب إلا من عرف مثل هذا الذي يجهله كثير من الناس.
          وفي قول عمر: (أخشى إن طال بالناس زمان) دلالة على دروس العلم مع مرور الزمان، ووجود الجاهلين السبيل إلى التأويل بغير علم فيضلوا ويضلوا كما قال ◙.
          ومعنى: (كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم) أي: كفر حق ونعمة.
          قوله: (لا تطروني كما أطري عيسى بن مريم) أي: لا تمدحوني مدح النصارى عيسى، جعله بعضهم إلهاً مع الله، وبعضهم ولده، ولذلك قال: (وقولوا: عبد الله ورسوله) عرفهم ما خشي عليهم جهله والغلو فيه كما صنعته النصارى في قولهم في عيسى أنه ابن الله، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
          قوله: (إن بيعة أبي بكر كانت فلتة) وقول ابن عمر (أنها كانت كذلك فلتة) قال أبو عبيد: معنى: الفلتة: الفجأة؛ وإنما كانت كذلك لأنها لم ينتظر بها العوام، وإنما ابتدرها أكابر أصحاب محمد ◙ من المهاجرين وعامة الأنصار إلا تلك الطيرة التي كانت من بعضهم، ثم أصغوا له كافتهم لمعرفتهم أنه ليس / لأبي بكر منازع ولا شريك في الفضل، ولم يكن يحتاج في أمره إلى نظر ولا مشاورة، فذلك كانت فلتة وقى الله بها الإسلام وأهله شرها.
          وقال الداودي: كانت فجأة من مشورة لغاية من غير مشورة.
          وقال الكرابيسي في قولهم: كانت فلتة؛ لأنهم تفلتوا في ذهابهم إلى الأنصار وبايعوا الصديق بحضرتهم وفيهم من لا يعرف ما يجب عليه.
          فقال قائل منهم: منا أمير ومنكم أمير. وقد ثبت أن رسول الله قال: ((إن الخلافة في قريش))، فإما بايعناهم على ما لا يجوز لنا، وإما قاتلناهم على ذلك، فهي الفلتة.
          ألا ترى قول عمر: (والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من بيعة أبي بكر، ولأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر)، فهذا يبين أن قول عمر: (كانت فلتة). لم يرد مبايعة أبي بكر، وإنما أراد ما وصفه من خلافة الأنصار عليهم وما كان من أمر سعد بن عبادة وقومه(2).
          وقول عمر: (قتل الله سعدا) ولو علموا أن في أبي بكر شبهة وأن بين الخاصة والعامة فيه اختلافاً ما استجازوا الحكم عليهم بعقد البيعة، ولو استجازوه ما أجازه الآخرون إلا لمعرفة منهم به متقدمة، ويدل على ذلك ما رواه (ن) من حديث سالم بن عبيد وذكر موته ◙ قال: خرج أبو بكر فاجتمع المهاجرون يتشاورون بينهم، ثم قال: انطلقوا إلى إخواننا الأنصار، فقالت: منا أمير ومنكم أمير. فقال عمر: سيفان في غمد إذا لا يصطلحان. ثم أخذ بيد أبي بكر فقال: من له هذه الثلاث: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ} من صاحبه؟ {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:40] مع من هما؟ ثم بايعه الناس أحسن بيعة وأجلها.
          فدل هذا الحديث أن القوم لم يبايعوه إلا بعد التشاور والتناظر واتفاق الملأ منهم الذين هم أهل الحل والعقد على الرضا بإمامته والتقديم بحقه.
          ولقولهم: (كانت فلتة) تفسير آخر: قال ثعلب وابن الأعرابي: الفلتة عند العرب آخر ليلة من الأشهر الحرم يشك فيها، فيقول قوم هي من شعبان، ويقول قوم: هي من رجب.
          وبيان هذا أن العرب كانوا يعظمون الأشهر الحرم ولا يقاتلون فيها، ويرى الرجل قاتل أبيه فلا يمسه، فإذا كان آخر ليلة منها شك قوم، فقالوا: هي من الحل وقال بعضهم: من الحرم، فيبادر الموثور في تلك الليلة فينتهز الفرصة في إدراك ثأره غير معلوم أن ينصرم الشهر الحرام عن يقين، فيكثر تلك الليلة سفك الدماء وشن الغارات.
          يشبه عمر أيام حياة رسول الله وما كان الناس في عهده عليه من اجتماع الكلمة وشمول الألفة ووقوع الأمنة بالشهر الحرام الذي لا قتال فيه ولا نزاع، وكأن موته شبيهة القصة بالفلتة التي هي خروج من الحرام؛ لما نجم عند ذلك من الخلاف وظهر من الفساد، وما كان من أهل الردة، ومنع العرب الزكاة، وتخلف من تخلف من الأنصار جرياً منهم على عادة العرب أن لا يسود القبيلة إلا رجل منها، فوقى الله شرها بتلك البيعة المباركة التي كانت جماعاً للخير ونظاماً للألفة.
          وقد روينا في هذا المعنى عن سالم بن عبد الله، رواه سيف في كتاب البيوع عن مبشر، عنه قال: قال عمر: كانت إمارة أبي بكر فلتة وقى الله شرها. قلت: ما الفلتة؟ قال: كان أهل الجاهلية يتحاجزون في الحرم فإذا كانت الليلة التي يشك فيها أدغلوا فأغاروا، وكذلك كانوا يوم مات رسول الله أدغل الناس من بين مدع إمارة أو جاحد زكاة، فلولا اعتراض الصديق دونها لكانت الفضيحة، ذكره الخطابي كما نقله ابن بطال.
          قال ابن التين: ولم أره، والذي رأيت أنه قال: كانت فجأة من غير مشورة أحد. وقال صاحب ((المنتهى)) في اللغة: الفلتة: آخر يوم من كل شهر، وربما سمي آخر يوم من الشهر الحرام فلتة وفي ((المحكم)) / الفلتة: الأمر يقع من غير إحكام، وافتلت عليه: قضي الأمر دونه، وأفلت الشيء: أخذته بسرعة. وقال الهروي والجوهري: الفلتة: الفجأة إذا لم تكن عن تدبر ولا تردد. زاد الهروي: وإذا عوجلت خشية انتشار الأمر. والفلتة بفتح الفاء في اللغة وكذا رويناه. قال ابن التين: وروي بالضم.
          فإن قلت: ما معنى قول أبي بكر: وليتكم ولست بخيركم؟ قلت: هذا من جملة فضله أن لا يرى لنفسه فضلاً على غيره، وهذه صفة الخائفين لله تعالى الذين لا يعجبون بعمل ولا يستكثرون له مهج أنفسهم وأموالهم.
          قال الحسن ابن أبي الحسن: والله ما خلق الله بعد النبيين أفضل من أبي بكر. قالوا: ولا مؤمن من آل فرعون؟ قال: ولا مؤمن من آل فرعون.
          قوله: (قد خالف عنا علي والزبير) ليس ذلك بخلاف في الرأي والمذهب، وإنما هو في الاجتماع والحضور. وقيل: كانوا لجئوا إلى بيت فاطمة ليتشاور الناس، فخشي الصديق والفاروق إن لم يبادروا بالبيعة أن يبايع الأنصار أحدهم فتكون فلتة.
          قوله: (واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر) قال الداودي: ما أرى هذه اللفظة تثبت؛ لأن أكثر الروايات المستفيضة رواها مالك وغيره أن أبا بكر وعمر كانا في بيت عائشة، فأتى رجل من الأنصار فقال: ليخرج إلي عمر. قيل له: هو مشغول. قال: لا بد أن يخرج، إنه قد حدث أمر، فخرج إليه فقال: إن الأنصار اجتمعوا ليؤمروا أحدهم، فأدركوا الأمر. فقال عمر لأبي بكر: اعزم، فخرجا فلقيا أبا عبيدة فسارا فكان أبو بكر بينهما، فلقيهما رجلان من الأنصار عويم بن ساعدة ومعن بن عدي فقالا: أين تريدون؟ فقالوا: إخواننا الأنصار بلغنا ما استقلوا به، فقالا: امضوا لأمركم. فقالوا: لا بد أن نأتيهم.
          وقول الرجلين من الأنصار: (لا عليكم ألا تقربوهم اقضوا أمركم).
          فيه: دلالة أن الأنصار لم تطبق على دعواها في الخلافة، وإنما ادعى ذلك الأقل، وهذان معن بن عدي بن الحر بن العجلان أخو عاصم، وعويم بن ساعدة.
          وقول الأنصار: (نحن كتيبة الله) لا ينكر ذلك من فضلهم كما قال الصديق: (ولكن لا يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش) أي: لا يخرج هذا الأمر عنهم.
          قوله: (أوسط العرب نسبا) أي: أعدل وأفضل، ومنه قوله تعالى: {أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143] أي: عدلاً.
          وقول الصديق: (قد رضيت لكم أحد الرجلين) هو من طريق الأدب خشي أن يزكي نفسه فبعد ذلك عليه.
          قوله: (أحد) يدل أنه لا يكون للمسلمين أكثر من إمام واحد، وقد صح أنه ◙ قال: ((إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما)) يعني: اخلعوه واجعلوه كمن قتل ومات بأن لا تقبلوا له قولاً ولا تقيموا له دعوة حتى يكون في أعداد من قتل وبطل.
          وفيه: جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل إذا كان من أهل الغناء والكفاية، وقد قدم الشارع أسامة على جيش فيهم أبو بكر وعمر.
          وقول عمر: (لم أكره من مقالته غيرها) يعني: إشارته بالخلافة إلى عمر لما ذكر أن يقوم لضرب عنقه أحب إليه من التآمر والتقدم للخلافة بحضرته.
          قوله: (إلا أن تسول لي نفسي) محافظة لما حلف عليه ولمعرفته بالله من تقليب القلوب فأخذ في هذا بأبلغ العذر.
          وقول الحباب بن المنذر: (أنا جذيلها المحكك وغذيقها المرجب).
          قال الأصمعي فيما حكاه أبو عبيد: الجذيل: تصغير جذل، وأجذل بفتح الجيم وكسرها، وهو أصل الشجرة كما قاله القزاز، أو أصول الحطب العظام كما قاله الجوهري، وهو هنا عود ينصب للإبل الجرباء تحتك به من الجرب، فأراد أن يستشفي به كما كانت الإبل تستشفي بالاحتكاك بذلك العود. وقال غيره: أخبر / أنه شديد المعارضة غليظ الشكيمة ثبت القدر صلب الكسر، ويقال: معناه أنا دون الأنصار جذل حكاك، وكقول الرجل لصاحبه: أجذل عن القوم؛ أي: خاصمهم عنهم.
          والعذيق: تصغير عذق بكسر العين، والذي بالفتح النخلة نفسها فأين ما مالت النخلة الكريمة بنوا من ناحية ميلها بناء مرتفعاً يدعمها؛ لكي لا تسقط، وكذا في القنو، فذلك الترجيب، ولا يرجب إلا كريم النخل. والترجيب: التعظيم، يقال: رجبت الرجل رجباً: عظمته.
          ومنه سمي رجب؛ لأنه كان يعظم، وقد يكون ترجيبها بأن يجعل حولها شوك؛ لئلا يترقى إليها، ومن الترجيب أن يعمد بخشبة ذات شعبتين، والرجيبة من النخل فمنسوبة إليها.
          وكأنه أراد أنه مشرف معظم في قومه ويدفع الجماعة به، وإنما صغرهما فقال: عذيق وجذيل على وجه المدح، وإنما وصفهما بالكرم.
          وقول عمر لأبي بكر: ابسط يدك لأبايعك، وإجابة أبي بكر له بعد أن قال: (قد رضيت لكم أحد هذين)، دليل على أنه لم يحل له أن يتخلف عما قدمه رسول الله بالدليل من الصلاة، وهي عمدة الإسلام، وبقوله للمرأة: ((إن لم تجديني فأتي أبا بكر)).
          فإن قلت: كيف جاز له أن يجعل الأمر في أحدهما وقد علم بالدليل الواضح استخلاف رسول الله له؟
          قيل: ليس في قوله ذلك تخلية له فمن الأمر إذ كان الرضا موقوفاً عليه والاختيار إليه، وليس ذلك بمخرجه أن يرضي نفسه لها، (وإنما تأدب إذ لم يقل: رضيت لكم نفسي، فلم يجز أحدهما أن يرى نفسه أهلاً لها) في زمن فيه أبو بكر، وقد روي أن عمر قال لهم: أيكم تطيب نفسه أن يؤخر أبا بكر عن مقام أقامه فيه رسول الله؟ فقال الأنصار بأجمعهم: لا. ولذلك قال عمر: (إنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمرنا أقوى من مبايعة أبي بكر) يعني: في قطع الخلاف وبرضى الجماعة به وإقرارهم بفضله.
          قوله: (ونزناه على سعد بن عبادة) أي: درسناه دروساً عليه في متابعتهم إلى البيعة، والنزوان: الوثوب.
          وفيه: الدعاء على من يخشى منه الفتنة. وقال الخطابي: معنى قوله: (قتل الله سعداً) أي: اجعلوه كمن قتل واحسبوه في عدد الأموات ولا تعتدوا لمشهده، وذلك أن سعداً أراد في ذلك المقام أن ينصب أميراً على قومه على مذهب العرب في الجاهلية أن لا يسود القبيلة إلا رجل منها، وكان حكم الإسلام خلاف ذلك، فرأى عمر إبطال ذلك بأغلظ من القول وأشنعه، وكل شيء أبطلت فعله وسلبت قوته فقد قتلته وأمته، وكذلك: قتلت الشراب: إذا مزجته لتكسر شدته.
          قوله: (وليس فيكم من تقطع الأعناق له مثل أبي [بكر]).
          يريد أن السابق منكم لا يلحق شأوه في الفضل ولا يكون أحد مثله؛ لأنه أسبق السابقين، فلذلك مضت بيعته على كل حال فجأة، ووقى الله شرها، فلا يطمع أحد بعده في مثل ذلك، ولا يبايع إلا على مشورة واتفاق كلمة. ويقال للفرس الجواد: تقطعت أعناق الخيل إليه فلم تلحقه.
          قوله: (على غير مشورة) هي بضم الشين.
          قوله: (تغرة أن يقتلا) (تغرة) مصدر غررته: إذا ألقيته في الغرر، وهي من التغرير كالتعلة من التعليل، وفي الكلام / مضاف محذوف تقديره: خوف تغرة أن يقتلا. أي: خوف وقوعهما في القتل، فحذف المضاف الذي هو الخوف وأقام المضاف إليه الذي هو (تغرة) مقامه، وانتصب على أنه مفعول له، ويجوز أن يكون قوله: أن يقتلا، معناه: خوف تغرة قتلها.
          قال أبو عبيد: التغرة: التغرير، غررت بالقوم تغريراً وتغرة. وكذلك يقال في المضاعف خاصة كقولك: حللت إليهن تحليلاً وتحلَّةً. قال الخطابي: وسئل سعد بن إبراهيم عن تفسير التغرة فقال: عقوبتهما أن لا يؤمر واحد منهما، وإنما أراد عمر أن ينعتهما تغريراً بأنفسهما للقتل وتعريضاً له، فنهاهما عنه، وأمر أن لا يؤمر واحد؛ لئلا يطمع في ذلك فيفعل به هذا الفعل.
          والدافة: القوم يسيرون جماعة سيراً ليس بالشديد لضعفهم وحاجتهم، يقال: هم يدفون دفيفاً. قاله أبو عمرو: بدال مهملة.
          قوله: (فإذا رجل مزمل) أي: مغطى ومدثر.
          قوله: (موعك) أي: ضعيف بالحمى.
          قوله: (يختزلونا من أصلنا) أي: يقتطعونا ويذهبوا بنا متفرقين. وفي حديث آخر: أرادوا أن يختزلوه دوننا؛ أي: ينفردون به.
          قوله: (وأن يحضنونا من الأمر) أي: يخرجونا، يقال: حضنت الرجل من الشيء وأحضنته: أخرجته منه.
          قوله: (وكنت زورت مقالة) هو إصلاح الكلام وتهيئه، كما قال الأصمعي.
          وقال أبو زيد: المزور من الكلام والمزوق واحد، وهو المحسن المصلح، وكذلك الخط إذا قومته.
          قوله: (فلا يبايع هو) أي: بالياء، وروي يتابع. والمراد بما سلف من قوله: (أنتم رهط دفت دافة من قومكم) يريد: إنكم قوم غرباء طراة أقبلتم من مكة إلينا وأنتم نفر يسير بمنزلة الرهط ما بين الثلاثة إلى العشرة.
          وقول عمر: (كنت أداري منه بعض الحد) يعني: الحدة. هو بالحاء المهملة.
          قوله: (ابسط يدك يا أبا بكر) فأجابه لذلك: دليل على أنه لم يحل له أن يتخلف عما قدمه إليه الشارع وقد سلف.
          قال والدي ⌂:
          (باب رجم الحبلى) هل يجوز أم لا والإجماع على أنها لا ترجم حتى تضع أو تفطم على خلاف فيه.
          قوله: (عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بضم المهملة وسكون الفوقانية وبالموحدة، و(أقرئ) أي: القرآن.
          وفيه أن العلم يأخذه الكبير من الصغير.
          و(منزله) أي: عبد الرحمن، و(حجها) عمر، و(لو رأيت) جزاؤه محذوف نحو لرأيت عجباً أو هو للتمني، و(فلاناً) هو رجل من الأنصار.
          فإن قلت: لو حرف لازم أن يدخل [على] الفعل وهاهنا دخل على الحرف؟ قلت: قد هو في تقدير الفعل إذ معناه لو تحقق موته أو قد مقحم.
          و(الفلتة) بفتح الفاء وتسكين اللام وبالفوقانية فجأة من غير نذير؛ أي: بايعوه فجأة وتمت المبايعة عليه وكذلك أنا لو بايعت فلاناً لهم أيضاً، و(يغصبونهم) في بعضها: يعصبونهم، وهو لغة لقوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة:237] بالرفع، وهو تشبههم أن بما المصدرية فلا ينصبون بها أي: الذين يقصدون أموراً ليس ذلك وظيفتهم ولا لهم مرتبة ذلك فيريدون يباشرونها بالظلم والغصب.
          وفيه رفع مثل هذا الكلام إلى الإمام وغضبه على قائله إذا كان باطلاً.
          قوله: (رعاع) بفتح الراء وتخفيف المهملة الأولى الأحداث وأرذال الناس، و(غوغاءهم) بفتح المعجمتين وبالمد، الكثير المختلط من الناس، و(يغلبون) أي: هم الذين يكونون قريباً منك عند قيامك للخطبة لغلبتهم ولا يتركون المكان القريب إليك لأولي النهى من الناس، و(المطير) بلفظ فاعل الإطارة أي: ينقلها عنك كل ناقل بالسرعة والانتشار / لا بالتأني والضبط، و(لا يعوها) لا يحفظوها، و(يضعوها) في بعضها يضيعونها وترك النصب جائز مع النواصب، لكنه خلاف الأفصح.
          وفيه جواز الاعتراض على الإمام إذا خشي الفتنة.
          وفيه أنه لا يوضع دقيق العلم إلا عند أهل الفهم.
          قوله: (عقب ذي الحجة) أي: يوم هو آخره أو الشهر المعاقب له؛ أي: أول المحرم، و(أجد) بالرفع، و(سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) مصغر النفل بالنون والفاء واللام، العدوي أحد العشرة المبشرة، و(لم أنشب) بفتح المعجمة أي: لم أمكث ولم أتعلق بشيء، وقال لسعيد ذلك ليستعد لإحضار فهمه، وأنكر هو عليه لاستبعاده ذلك لتقرر الفرائض والسنن.
          قوله: (ما عسيت أن يقول) القياس أن يقال عسى أن يقول فكأنه في معنى رجوت وتوقعت، و(وعاها) حفظها.
          وفيه الحض لأهل العلم والضبط على التبليغ والنشر في الأسفار.
          قوله: (لا حد) فإن قلت: ظاهره يقتضي أن يقال له برجع الضمير إلى الموصول. قلت: الشرط هو الارتباط وعموم الأخذ قائم مقامه.
          قوله: (آية الرجم) أي: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما.
          وفيه أنه كان قرآناً فينسخ تلاوته دون حكمه.
          و(إن طال) بكسر الهمزة، و(أن يقول) بفتحها.
          قوله: (وإن كفرا) يعني: أنه شاك فيما كان في القرآن أو هو هكذا لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم وهكذا إن كفرانكم إن ترغبوا عن آبائكم، وهو أيضاً من المنسوخ التلاوة دون الحكم، ومر في مناقب قريش أنه صلعم قال: ((ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر بالله))، والكفر إنما ذكر إما تغليظاً وإما للمستحل.
          قوله: (لا تطروني) من الإطراء وهو المبالغة في المدح، و(الأعناق) أي: أعناق الإبل تقطع من كثرة السير أي: ليس فيكم مثل أبي بكر في الفضل والتقدم؛ لأنه سبق كل سابق فلذلك مضت بيعته على حال فجأة ووقى الله شرها(3) فلا يطمعن أحد في مثل ذلك وقيل كانت فلتة لأنه لم يكن في أول الأمر جميع خواص الصحابة ولا عوامهم وقيل لأنهم يغلبون إلى ذهابهم إلى الأنصار.
          و(المشورة) بسكون الشين وفتح الواو وضمها وسكون الراء، و(لا يبايع) من المبايعة بالموحدة ومن المتابعة بالفوقانية أي: لا يتابع المتابع ولا المتابع له أي: لا الناصب ولا المنصوب قيل معناه لا يؤمر واحد بينهما لئلا يطمع في ذلك، و(التغرة) بالمعجمة يقال: غرر بنفسه تغريراً وتغرة إذا عرضها للمهلكة؛ أي: لأن ذلك تغرير لأنفسهما بالقتل؛ أي: إذا فعل ذلك فقد غرر بنفسه ونفس صاحبه وعرضهما للقتل.
          قوله: (بأسرهم) أي: بأجمعهم، و(السقيفة) الصفة كان لهم طاق يجتمعون فيه لفصل القضايا وتدبير الأمور، و(ساعدة) بكسر المهملة الوسطانية، و(خالف عنا) أي: معرضاً عنا. قال المهلب: أي في الحضور والاجتماع لا بالرأي والقلب، و(لقينا) بلفظ الغائب، و(الرجلان) هما عويم بضم المهملة وفتح الواو وإسكان التحتانية ابن ساعدة الأنصاري، و(معن) بفتح الميم وسكون المهملة وبالنون ابن علي بفتح المهملة وكسر الثانية الأنصاري.
          و(تمالأ) بالهمز من التفاعل: أي اجتمع، و(مزمل) من التزميل وهو الإخفاء واللف في الثوب، و(بين ظهرانيهم) أي: بينهم وأصله: بين ظهريهم فزيد الألف والنون للتأكيد، و(سعد بن عبادة) بالضم وخفة الموحدة / سيد الخزرج، و(يوعك) بفتح المهملة؛ أي: يحم ويوجع بدنه، و(تشهد) أي: قال كلمة الشهادة، و(الكتيبة) بفتح الكاف الجيش، و(أنصار الله) أي: أنصار دينه أو رسوله، و(دفت) بتشديد الفاء أي: سارت.
          الخطابي: رهط؛ أي: نفر يسير بمنزلة الرهط وهو من الثلاثة إلى العشرة؛ أي: أن عددكم بالإضافة إلى عدد الأنصار قليل.
          و(الدافة) الرفقة يسيرون سيراً لينا أي: وإنكم قوم ظن أنه غرباء أقبلتم من مكة إلينا فإذا أنتم تريدون أن تختزلونا من الاختزال بالمعجمة والزاي وهو الاقتطاع والحذف.
          (وإن تحضنونا) بالمهملة وإعجام الضاد؛ أي: تخرجوننا من الأمر أي الإمارة والحكومة وتستأثروا علينا يقال: حضنت الرجل عن الأمر إذا اقتطعته دونه وعزلته عنه، و(زورت) من التزوير بالزاي والواو والراء وهو التهيئة والتحسين وإذا [دا]رى منه بعض الحد أي: أرفع عنه بعض ما يعترى له من الغضب ونحوه.
          قوله: (على رسلك) بكسر الراء أي: اتئد واستعمل الرفق والتؤدة، و(أغضبه) من الإغضاب وفي بعضها: أغضبه من الغضبان(4)، و(الحلم) هو الطمأنينة عند الغضب، و(الوقار) هو التأني في الأمور والرزانة عند التوجه إلى المطالب وما ذكرتم من النصرة وكونكم كتيبة الإسلام، و(هذا الأمر) أي: الخلافة، و(أبو عبيدة) مصغر العبدة ضد الحرة عامر بن عبد الله بن الجراح بالجيم وشدة الراء أمين الأمة أحد العشرة المبشرة.
          فإن قلت: كيف جاز له أن يقول ذلك وقد جعله صلعم إماماً في الصلاة وهي عمدة الإسلام؟ قلت: قاله تواضعاً وتأدباً وعلماً بأن كلا منهما لا يرى نفسه أهلاً لذلك بوجوده وأن لا يكون للمسلمين إلا إمام واحد.
          قوله: (لا يقربني ذلك من إثم) أي: لا يقربني الضرب من الإثم أي: ضرباً لا أعصي به، و(يسول) أي: يزين يقال: سولت له نفسه شيئاً أي: زينته وسول له الشيطان أغواه والقائل الأنصاري هو الخُباب بالمهملة المضمومة وخفة الموحدة الأولى ابن المنذر بفاعل الإنذار، و(الجذيل) مصغر الجذل بفتح الجيم وكسرها وسكون المعجمة، أصل الشجر والمراد به: عودٌ ينصب في العطن للجربي(5).
          (لتحتك به) أي تستشفى فيه بر أي كما تستشفى الإبل بالاحتكاك به والتصغير للتعظيم، و(العذيق) مصغر العذق هو بفتح المهملة وسكون المعجمة النخل وبالكسر القنو منها.
          و(الترجيب) التعظيم وهو أنها إذا كانت كريمة فمالت بنوالها من جانبها المائل بناء رفيعاً كالدعامة لتعتمدها ولا تسقط ولا يعمل ذلك إلا لكرامها وقيل: هو ضم أعذاقها إلى سعفاتها وشدها بالخوص لئلا ينفضها الريح أو وضع الشوك حولها لئلا تصل إليها الأيدي المتفرقة، و(اللغط) بفتح اللام والمعجمة الصوت والجلبة، و(فرقت) بكسر الراء خشيت وإنما قال منا أمير لأن أكثر العرب لم تكن تعرف الإمامة إنما كانت تعرف السيادة يكون لكل قبيلة سيد لا تطيع إلا سيد قومها فجرى هذا القول منه على العادة المعهودة حين لم يعرف أن حكم الإسلام بخلافه فلما بلغه أن الخلافة في قريش أمسك عن ذلك وأقبلت الجماعة إلى البيعة.
          قوله: (نزونا) بالزاي معناه وثبنا عليه وغلبنا عليه.
          فإن قلت: ما معنى قتلتم وهو كان حيًّا؟ قلت: كناية عن الإعراض والخذلان والاحتساب في عداد القتلى؛ لأن من أبطل فعله وسلب قوته فهو كالمقتول.
          فإن قلت: فما وجه قول عمر قتله الله / ؟ قلت: هو إما إخبار عما قدر الله عن إهماله وعدم صيرورته خليفة وإما دعاء صدر عنه عليه في مقابلة عدم نصرته للحق قيل إنه تخلف عن البيعة وخرج إلى الشام فوجد ميتاً في مغتسله وقد اخضر جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلاً يقول ولا يرون شخصه:
          قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة
          البيت.
          قوله: (ما حضرنا) أي: من دفن رسول الله صلعم ونحوه لأن إهمال أمر المبايعة كان مؤدياً إلى الفساد الكلي، وأما دفنه صلعم فكان العباس وعلي وطائفة مباشرين له وما كان يلزم من اشتغالنا بالمبايعة محذور في ذلك.
          قوله: (فمن بايع فلا يبايع) هو ولا منصوبة حذراً من القتل فلا يطمعن أحد أن يبايع ويتم له كما بويع لأبي بكر ☺.
          الزركشي:
          (رعاع الناس) جهالهم وغوغاؤهم، واحده غوغاء: سقطهم.
          (على قربك) بضم القاف والموحدة كذا لهم، وعند المروزي: ((على قرنك))، والأول هو الصحيح.
          (في عقب ذي الحجة) بفتح العين وكسر القاف، وبضم العين وسكون القاف، يقال: جاء في عقب الشهر إذا جاء وقد بقيت منه بقية، وجاء عقبه بضم العين إذا جاء بعد تمامه.
          (فلم أنشب) أي: ألبث.
          (وتطروني) من الإطراء، وهو في الغلو في المدح بالباطل، أو بما لا يليق بالممدوح، كما فعلت النصارى بالمسيح واليهود بالعزير.
          (كانت فلتة) أي: فجأة.
          (وقى الله شرها) أي: مثل هذه البيعة جديرة بأن تكون مهيجة للشر والفتنة فعصم الله من ذلك.
          والفلتة بفتح الفاء: كل شيء فعل من غير روية، وروى سحنون عن أشهب أنه كان يقولها بضم الفاء، وهو افتلات الشيء من الشيء، قال: ولا يجوز الفتح لأن معناه ما يندم عليه، ولم تكن بيعة أبي بكر مما يندم عليها، وعلى الرواية المشهورة فالمراد بها بغتة وفجأة لأنه لم ينتظر بها العوام وإنما ابتدرها الصحابة من المهاجرين وعامة الأنصار لعلمهم أن ليس لأبي بكر منازعاً، ولا يحتاج في أمره إلى نظر ولا مشاورة، وإنما عوجل مخافة انتشار الأمر والشقاق حتى يطمع بها من ليس بموضع لها، فلهذا كانت الفلتة التي وقى الله بها الشر المخوف، وهكذا ذكره أحمد بن خالد في ((مسنده))، حكى ذلك كله عيسى بن سهل في كتاب ((غريب ألفاظ (خ))).
          (ليس منكم من تقطع الأعناق) إلى آخره يريد أن السابق منكم الذي لا يلحق شأوه في الفضل لا يكون مثلاً لأبي بكر؛ أي: فلا يطمع أحد أن يبايع كما بويع أبو بكر ولا يطمع أن يبايع عن غير مشورة.
          (فلا يبايع) من البيعة، وروي: ((يتابع)) بمثناة وفتح الموحدة من الاتباع.
          (تغرة) هي مصدر غررته إذا ألقيته في الغرر وهو من التغرير كالتعلة من التعليل، وفي الكلام مضاف محذوف؛ أي: خوف وقوعها في القتل فحذف المضاف الذي هو الخوف وأقام المضاف إليه الذي هو تغرة مقامه، والنصب على أنه مفعول له، ويجوز أن يكون قوله: ((أن يقتلا)) بدلاً من ((تغرة)) ويكون المضاف محذوفاً.
          (يوعك) أي: بالحمى والرعدة، وكان ذلك والله أعلم لهول ذلك المقام.
          (ودفت دافة) أي: نزلت بها دافة وهم أهل البادية من الفقراء، مأخوذ من الدفيف وهو السير الضعيف.
          أي: أنتم قوم غرباء أقبلتم من مكة البناء وقيل يريد أنكم نفر يسير.
          (يختزلونا) بالخاء والزاي؛ أي: يقتطعونا من أصلنا.
          (وأن يحضنونا) بالحاء المهملة والضاد المعجمة؛ أي: يخرجوننا، يقال: حضنته عن الأمر إذا نحيته عنه وانفردت به وكأنه من المقلوب؛ أي: يحضنون الأمر دوننا، وقال أبو عبيد: يخرجونا إلى ناحية منه.
          (زورت) هيأت وأصلحت، وقال الأزهري: أراد عمر بالمقالة قوله: إن رسول الله صلعم لم يمت.
          (بعض الحد) بفتح الحاء؛ بمعنى الحدة.
          (فقال قائل للأنصار) هو حباب بن المنذر / وقيل: سعد بن عبادة، والصحيح الأول، ففي صحيح (خ) في غير هذا الموضع التصريح به من حديث عائشة.
          (أنا جذيلها المحكك) سبق بيانه.
          (حتى فرقت) بكسر الراء: خفت.
          (ونزونا على سعد) أي: وقعوا عليه ووطئوه.
          (مشورة) بإسكان الشين وفتح الواو [و]بضم الشين، قاله الجوهري، وصوب غيره ضم الشين، وهو من شرب العسل إذا استخرجته من بيوت النحل.
          انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (فلتة) أراد بالفلتة: الفجأة والفلتة كل شيء فعل من غير رؤية، وقيل: الفلتة الخلسة وقيل: الفلتة آخر ليلة من الأشهر الحرم ويوم مؤتة تسمى بالفلتة في ربوع السير من ارتداد العرب وتخلف الأنصار ومنع الزكاة.
          قوله: (فلما سكت) قال الصغاني: هو بالموحدة، قال ابن الأثير في ((النهاية)) في حديث عائشة: فإذا سكت المؤذن أرادت إذا أذن فاستعير السكت للإفاضة في الكلام، كما يقال: أفرغ في أذني حديثاً؛ أي: ألقي وصب.


[1] في المخطوط: ((العيصب)) ولعل الصواب ما أثبتناه.
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قد تأمر أسامة على قوم فيهم أبو بكر ولا يشبه بين أبي بكر وأسامة في الفضل والعلم والشجاعة وغيرها، فما معنى قول عمر ولأن أقدم فتضرب عنقي إلى آخره؟ يحتاج إلى جواب)).
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: شرها الضمير راجع إلى ماذا؟ فإن قلت: إلى البيعة المعهودة فهي لا سش لها وإن كان إلى غيرها فما هو المعاد إليه؟)).
[4] في هامش المخطوط: في (ط): الغضب.
[5] في هامش المخطوط: ((أقول: الجذيل لا يوضع لأجل أن يستشفى به الجرب بل لأن يحتك به ويحصل لها بذلك راحة ولذة ما كما للجرب من البشر إذا حك جسده فالتشبيه غير صحيح لما قصد أنه يستشفى برأيه. فتأمله)).