إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا أبا فلان أما صمت سرر هذا الشهر

          1983- وبه قال: (حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ) أبو همَّامٍ الخاركيُّ؛ بخاءٍ معجمةٍ‼، قال: (حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ) بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الدَّال، ابن ميمونٍ المِعْوَليُّ الأزديُّ _بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو_ البصريُّ (عَنْ غَيْلَانَ) بالغين المعجمة، ابن جريرٍ المعوليِّ الأزديِّ البصريِّ أيضًا.
          قال المؤلِّف: «ح»: (وَحَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ) محمَّد بن الفضل السَّدوسيُّ قال: (حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ) المعوليُّ قال: (حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ) المعولي (عَنْ مُطَرِّفٍ) بضمِّ الميم وكسر الرَّاء مُشدَّدةً(1)، ابن عبد الله بن الشِّخِّير _بكسر الشِّين والخاء المُشدَّدتين(2) المعجمتين آخره / راءٌ_ العامريِّ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أسلم عام خيبر، وتُوفِّي سنة اثنتين وخمسين ( ☻ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم : أَنَّهُ) صلعم (سَأَلَهُ) أي: عمران (أَوْ سَأَلَ رَجُلًا) شكٌّ من مطرِّفٍ، وزاد أبو عَوانة في «مستخرجه»: من أصحابه (_وَعِمْرَانُ يَسْمَعُ_) جملةٌ حاليَّةٌ (فَقَالَ: يَا أَبَا فُلَانٍ) قال الحافظ ابن حجرٍ: كذا في نسخةٍ من رواية أبي ذرٍّ بأداة الكنية، وللأكثر: يا فلان؛ بإسقاطها (أَمَا) بالتَّخفيف (صُمْتَ سَـِرَرَ هَذَا الشَّهْرِ؟) بفتح السِّين وكسرها، وحكى القاضي عياضٌ: ضمَّها، وقال: هو جمع سُرَّةٍ، يُقال: سِرار الشَّهر، وسَراره؛ بكسر السِّين وفتحها، ذكره ابن السِّكِّيت وغيره، قيل: والفتح أفصح، قاله الفرَّاء، واختُلِف في تفسيره، والمشهور: أنَّه آخر الشَّهر، وهو قول الجمهور من أهل اللُّغة والغريب والحديث، وسُمِّي بذلك لاستسرار القمر فيها، وهي ليلة ثمانٍ وعشرين، وتسعٍ وعشرين، وثلاثين؛ يعني: استتاره، وهذا(3) موافقٌ لما ترجم له هنا، واستُشكِل بقوله ╕ في حديث أبي هريرة عند الشَّيخين السَّابق [خ¦1914]: «لا تقدَّموا رمضان بيومٍ أو يومين، إلَّا من كان يصوم يومًا فليصمه»، وأُجيب بأنَّ الرَّجل كان معتادًا لصيام(4) سرر الشَّهر، أو كان قد نذره فلذلك أمره بقضائه؛ كما سيأتي _إن شاء الله تعالى_ وقالت طائفةٌ: سرر(5) الشَّهر: أوَّله، وبه قال الأوزاعيُّ وسعيد بن عبد العزيز، فيما حكاه أبو داود، وأجيب بأنَّه لا يصحُّ أن يُفَسَّر سرر الشَّهر وسراره بأوَّله لأنَّ أوَّل الشَّهر يشتهر فيه الهلال ويُرَى من أوَّل الليل، ولذلك سُمِّي الشَّهر شهرًا لاشتهاره وظهوره عند دخوله، فتسمية ليالي الاشتهار ليالي السِّرار قلبٌ للُّغة والعُرْف، وقد أنكر العلماء ما رواه أبو داود عن الأوزاعيِّ _منهم: الخطَّابيُّ_ وقيل: السَّرر: وسطه، حكاه أبو داود أيضًا، ورجَّحه بعضهم ووجَّهَهُ بأنَّ(6) السَّرر جمع سُرَّةٍ، وسُرَّة الشَّيء: وسطه، وأيَّدوه بما ورد من استحباب صوم أيَّام البيض، وفي رواية مسلمٍ في حديث عمران بن حصينٍ المذكور: «هل صمت من سُرَّة هذا الشَّهر؟» وفُسِّر بالأيَّام البيض، وأُجيب بأنَّ الأظهر أنَّه الآخر‼ كما قال الأكثر لقوله: «فإذا أفطرت فصُمْ يومين من سَرَر هذا الشَّهر». والمشار إليه: شعبان، ولو كان السَّرر أوّله أو وسطه لم يفته.
          (قَالَ) أبو النُّعمان: (أَظُنُّهُ قَالَ: يَعْنِي: رَمَضَانَ) لم يقل الصَّلت ذلك، لكن روى الجوزقيُّ من طريق أحمد بن يوسف السُّلميِّ عن أبي النُّعمان بدون ذلك، قال الحافظ ابن حجرٍ: وهو الصَّواب (قَالَ الرَّجُلُ: لَا يَا رَسُولَ اللهِ) ما صُمته (قَالَ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ) أي: من رمضان كما في «مسلمٍ» (فَصُمْ يَوْمَيْنِ) بعد العيد عوضًا عن سرر شعبان (لَمْ يَقُلِ الصَّلْتُ: أَظُنُّهُ؛ يَعْنِي: رَمَضَانَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) أي: البخاريُّ، وسقط ذلك في رواية ابن عساكر (وَقَالَ ثَابِتٌ) فيما وصله مسلمٌ (عَنْ مُطَرِّفٍ) المذكور (عَنْ عِمْرَانَ) بن حصينٍ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم : مِنْ سَـِرَرِ شَعْبَانَ) وليس هو برمضان كما ظنَّه أبو النُّعمان، ونقل الحميديُّ عن البخاريِّ أنَّه قال: شعبان أصحُّ، وقال الخطَّابيُّ: ذكرُ رمضان هنا وهمٌ لأنَّ رمضان يتعيَّن صوم جميعه.
          ورواة الحديث الأوَّل بصريُّون، وأضاف رواية أبي النُّعمان إلى الصَّلت لما وقع فيها من تصريح مهديٍّ بالتَّحديث عن(7) غيلان، وأخرجه مسلمٌ وأبو داود والنَّسائيُّ، والله أعلم(8).


[1] في (د): «المُشدَّدة».
[2] في (د1) و(ص) و(م): «المُشدَّدة».
[3] في (د): «وهو».
[4] في (د1) و(م): «بصيام»، وفي (ص): «بصوم».
[5] في (م): «سرار».
[6] في غير (د) و(س): «وحكاه أبو داود أيضًا ورجَّحه: بأن»، والمثبت موافقٌ لما في «الفتح».
[7] في غير (ب) و(د) و(س): «من»، وهو تحريفٌ.
[8] «والله أعلم»: مثبتٌ من (م).