إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: {وعلى الذين يطيقونه فدية}

          ░39▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين، يُذكر فيه حكم قوله تعالى: ({وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}) أي: على الأصحَّاء المقيمين المطيقين للصَّوم إن أفطروا ({فِدْيَةٌ}[البقرة:184]) طعام مسكينٍ عن كلِّ يومٍ(1)، وهذا كان في ابتداء الإسلام، إن شاء صام، وإن شاء أفطر وأطعم، وهذه الآية كما (قَالَ ابْنُ عُمَرَ) فيما وصله في آخر الباب [خ¦1949] (وَسَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ) ♥ فيما وصله المؤلِّف في «التَّفسير» [خ¦4507] (نَسَخَتْهَا) الآية التي أوَّلها: ({شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}) جملةً في(2) ليلة القدر إلى سماء الدُّنيا، ثمَ نزل مُنجَّمًا إلى الأرض، و«شهر رمضان»: مبتدأٌ وما بعده خبرٌ(3)، أو: صفته(4)، والخبر: «فمن شهد» ({هُدًى لِّلنَّاسِ}) أي: هاديًا ({وَبَيِّنَاتٍ}) آياتٍ واضحاتٍ ({نَ الْهُدَى}) ممَّا يهدي إلى الحقِّ({وَالْفُرْقَانِ}) يفرِّق بين الحقِّ والباطل ({فَمَن شَهِدَ}) حضر ولم يكن مسافرًا ({مِنكُمُ الشَّهْرَ}) أي: فيه ({فَلْيَصُمْهُ}) أي: فيه ({وَمَن كَانَ مَرِيضًا}) أي: مرضًا يشقُّ عليه فيه(5) الصِّيام ({أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}) قوله(6): {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ...} إلى آخره ناسخٌ للآية الأولى المتضمِّنة للتَّخيير، وحينئذٍ فلا تكرار ({يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}) فلذلك أباح الفطر للسَّفر والمرض ({وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ}) عطفٌ على «اليُسر»، أو(7) على محذوفٍ تقديره: يريد الله بكم اليسر ليسهِّل عليكم، والمعنى: ولتكملوا عدَّة(8) أيَّام الشَّهر بقضاء ما أفطرتم في المرض والسَّفر ({وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ}) لتعظِّموه ({عَلَى مَا هَدَاكُمْ}) أرشدكم إليه من وجوب الصَّوم ورخصة الفطر بالعذر، أو المراد: تكبيرات ليلة الفطر ({وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة:185]) الله على نعمه، أو على رخصة الفطر، ولفظ رواية ابن عساكر: ”{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}“ إلى قوله: ”{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}“ وزاد أبو ذرٍّ: ”على ما هداكم“ .
          (وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ) بضمِّ النُّون وفتح الميم عبد الله، ممَّا وصله البيهقيُّ وأبو نُعيمٍ في «مستخرجه»: (حَدَّثَنَا) ولابن عساكر(9): ”أخبرنا“ (الأَعْمَشُ) سليمان‼ بن مهران قال: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ) بضمِّ الميم وتشديد الرَّاء، و«عَمْرو»: بفتح العين وسكون الميم، قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى) عبد الرَّحمن قال: (حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلعم ) ورضي عنهم، وقد رأى كثيرًا منهم كعمر وعثمان وعليٍّ، ولا يُقال لمثل هذا: روايةٌ عن مجهولٍ لأنَّ الصَّحابة كلَّهم عدولٌ (نَزَلَ رَمَضَانُ) أي: صومه (فَشَقَّ عَلَيْهِمْ) صومه (فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ، وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ) بضمِّ الرَّاء مبنيًّا للمفعول (فَنَسَخَتْهَا) أي: آية(10) الفدية قوله تعالى: ({وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إ}[البقرة:184] فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ) واستُشكِل وجه(11) نسخ هذه الآية للسَّابقة لأنَّ الخيريَّة لا تقتضي الوجوب، وأجاب الكِرمانيُّ بأنَّ معناه: أنَّ الصَّوم خيرٌ من التَّطوُّع بالفدية، والتَّطوُّع بها سنَّةٌ؛ بدليل أنَّه خيرٌ، والخير من السُّنَّة لا يكون إلَّا واجبًا.


[1] زيد في (ب): «مُدٌّ».
[2] «في»: ليس في (ص) و(م).
[3] في (س): «خبره».
[4] في (د): «صفةٌ».
[5] «فيه»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[6] في (ب) و(د): «وقوله».
[7] زيد في (د): «هو».
[8] في (ص) و(م): «عدد».
[9] في (د): «وقال ابن عساكر».
[10] «آية»: ليس في (ص).
[11] «وجه»: ليس في (د).