إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر

          1969- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بفتح النُّون وسكون المعجمة سالم بن أبي أميَّة (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن (عَنْ عَائِشَةَ ♦ ) أنَّها (قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: (1) لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ) أي: ينتهي صومه إلى غايةٍ نقول: إنَّه لا يفطر، ويفطر فينتهي إفطاره إلى غايةٍ حتَّى نقول: إنَّه لا يصوم (فَمَا) بالفاء، ولأبوي ذرٍّ والوقت وابن عساكر: ”وما“ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ) ولأبوي ذرٍّ والوقت: ”النَّبيَّ“ ( صلعم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ) وإنَّما لم يستكمل شهرًا غير رمضان لئلَّا يُظَنَّ وجوبه (وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ) بنصب «صيامًا»، قال البرماويُّ _كالزَّركشيِّ_: ورُوِي بالخفض، قال السُّهيليُّ: وهو وهمٌ، كأنَّه بناه على كتابتها هنا بغير ألفٍ على لغة من يقف على المنصوب المُنوَّن بلا ألفٍ، فتوهَّمه مخفوضًا، لاسيَّما وصيغة «أفعل» تُضَاف كثيرًا، فتوهَّمها مضافةً، ولكنَّ الإضافة هنا ممتنعةٌ قطعًا، ووجه تخصيص «شعبان» بكثرة الصَّوم لكون أعمال العباد تُرفَع(2) فيه، ففي «النَّسائيِّ» من حديث أسامة: قلت: يا رسول الله لم أَرَكَ تصوم من شهرٍ من الشُّهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذاك(3)‼ شهرٌ يغفل النَّاس عنه بين رجبٍ ورمضان، وهو شهرٌ تُرفَع فيه الأعمال إلى ربِّ العالمين، فأحبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائمٌ»، فبيَّن صلعم وجه صيامه لشعبان دون غيره من الشُّهور بقوله: «إنَّه شهرٌ يغفل النَّاس عنه بين رجبٍ ورمضان»، يشير إلى أنَّه لمَّا اكتنفه شهران عظيمان: الشَّهر الحرام وشهر الصِّيام(4) اشتغل النَّاس بهما فصار مغفولًا عنه، وكثيرٌ من النَّاس يظنُّ أنَّ صيام رجبٍ أفضل من صيامه لأنَّه شهرٌ حرامٌ، وليس كذلك، وقيل _في تخصيصه شعبان_ غير ذلك.
          وحديث الباب أخرجه مسلمٌ وأبو داود والنَّسائيُّ في «الصِّيام».


[1] زيد في (د1): «إنَّه»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[2] في (ب): «ترتفع».
[3] في (ص): «ذلك».
[4] في (د): «رمضان».