إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بينما أنا مع رسول الله في الخميلة إذ حضت فانسللت

          1929- وبه(1) قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابن مُسَرْهَدٍ قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) بن سعيدٍ القطَّان (عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ) سَنْبَرٍ_بمهملةٍ مفتوحةٍ فنونٍ ساكنةٍ فمُوحَّدةٍ مفتوحةٍ(2) وزن «جَعْفَرٍ»_ الدَّسْتَـُوائيِّ، أي: بفتح الدَّال وسكون السِّين المهملتين وفتح المُثنَّاة الفوقيَّة ممدودًا، قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ) بالمُثلَّثة (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (عَنْ زَيْنَبَ بْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ) الصَّحابيَّة (عَنْ أُمِّهَا) أمِّ سلمة هند بنت أبي أميَّة، أمِّ المؤمنين ( ☻ قَالَتْ: بَيْنَمَا) بالميم (أَنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم فِي الخَمِيلَةِ) بفتح الخاء المعجمة: ثوبٌ من صوفٍ له علمٌ (إِذْ حِضْتُ) جواب «بينما» (فَانْسَلَلْتُ) ذهبت في خفيةٍ لئلَّا يصيبه ╕ شيءٌ من دمها، أو تقذَّرت نفسها أن تضاجعه وهي بهذه الحالة (فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي) بكسر الحاء، قال النَّوويُّ: وهو الصَّحيح المشهور، أي: ثيابي التي أعددتها(3) لألبسها حالة‼ الحيض (فَقَالَ) ╕ : (مَا لَكِ أَنَفِسْتِ؟) بفتح النُّون، ولأبي ذرٍّ: ”أنُفِسْتِ“ بضمِّها، أي: أحضتِ؟ (قُلْتُ: نَعَمْ) حضت، زاد في «باب من سمَّى النِّفاس حيضًا» [خ¦298] من «كتاب الحيض»: فدعاني (فَدَخَلْتُ مَعَهُ فِي الخَمِيلَةِ، وَكَانَتْ هِيَ وَرَسُولُ اللهِ صلعم يَغْتَسِلَانِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ) وكلاهما جنبٌ (وَكَانَ) ╕ (يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ) لأنَّ ذلك لا يؤثِّر فيه لشدَّة تقواه وورعه، فكلُّ من أمن على نفسه الإنزال أو الجماع كان في معناه، فيلتحق به في حكمه، ومن ليس في معناه فهو مغايرٌ له في هذا الحكم، وهذا أرجح الأقوال، وقد أجمع العلماء: على أنَّ من كره القبلة لم يكرهها لنفسها، وإنَّما كرهها خشية ما تؤول إليه من الإنزال، ومن بديع ما رُوِي في ذلك: حديث عمر بن الخطَّاب أنَّه قال: هَشَشْتُ فقبَّلت وأنا صائمٌ، فقلت: يا رسول الله صنعت اليوم أمرًا عظيمًا، قبَّلت(4) وأنا صائمٌ، قال: «أرأيت لو مضمضتَ من الماء وأنت صائمٌ؟» قلت: لا بأسَ، قال: «فَمَهْ؟» رواه أبو داود والنَّسائيُّ، قال النَّسائيُّ: مُنكَرٌ، وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبَّان والحاكم، قال المازريُّ: فأشار إلى فقهٍ بديعٍ وذلك أنَّ(5) المضمضة لا تنقض الصَّوم وهي أوَّل الشُّرب ومفتاحه كما أنَّ القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه، والشُّرب يفسد الصَّوم كما يفسده الجماع، فكما ثبت عندهم أنَّ أوائل الشُّرب لا تفسد(6) الصِّيام(7) فكذلك أوائل الجماع، ولو قبَّل فأمذى _بالذَّال المعجمة_ لم يكن عليه شيءٌ عند(8) الشَّافعية والحنفيَّة، وقال مالكٌ: عليه القضاء، وقال متأخِّرو(9) أصحابه البغداديُّون: القضاء هنا استحبابٌ، وحكى ابن قدامة: الفطر فيه / عن أحمد، ثمَّ(10) إنَّ(11) المتبادر إلى الفهم من القبلة تقبيل الفم، لكن قال النَّوويُّ في «شرح المُهذَّب»: سواءٌ قبَّل الفم أو الخدَّ أو غيرهما.
          وهذا الحديث قد سبق في «باب من سمَّى النِّفاس حيضًا» [خ¦298].


[1] في (د): «وبالسَّند».
[2] في (د): «سَنبر، بسينٍ مفتوحةٍ».
[3] في (م): «اعتددتها».
[4] في (ب) و(س): «فقبَّلت».
[5] في (د): «لأنَّ».
[6] في (د): «يفسد».
[7] في (ب) و(س): «الصَّوم».
[8] في (م): «في مذهب».
[9] في (م): «بعض متأخِّري».
[10] زيد في (د): «قال».
[11] «إنَّ»: ليس في (د) و(ص).