إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كان النبي أجود الناس بالخير

          1902- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التَّبوذكيُّ قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ القرشيُّ الزُّهريُّ المدنيُّ، نزيل بغداد، قال: (أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريُّ (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ) بضمِّ عين الأول(1) مُصغَّرًا، والثَّالث مع سكون الفوقيَّة، ابن مسعودٍ الهذليِّ المدنيِّ(2) (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ☻ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم أَجْوَدَ النَّاسِ) أسخاهم (بِالخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ) لأنَّه شهرٌ يتضاعف فيه ثواب الصَّدقة، و«ما»: مصدريَّةٌ، أي: أجود أكوانه يكون في رمضان (حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ) ◙ ، وهو أفضل الملائكة وأكرمهم‼ (وَكَانَ جِبْرِيلُ _ ◙ _ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ) ولابن عساكر: ”في كلِّ ليلةٍ“ (فِي رَمَضَانَ) منذ أُنزِل(3) عليه، أو من فترة الوحي إلى آخر رمضان الذي تُوفِّي بعده رسول الله(4) صلعم (5) (حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلعم القُرْآنَ) بعضَه أو معظمَه (فَإِذَا لَقِيَهُ) صلعم (جِبْرِيلُ _ ◙ _ كَانَ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ) يحتمل أن يكون(6) زيادة الجود بمُجرَّد لقاء جبريل ومجالسته، ويحتمل أن يكون بمدارسته إيَّاه القرآن، وهو يحثُّ(7) على مكارم الأخلاق، وقد كان القرآن له صلعم خُلقًا بحيث يرضى لرضاه ويسخط لسخطه، ويسارع إلى ما حثَّ عليه، ويمتنع ممَّا زجر عنه، فلهذا كان يتضاعف جوده وإفضاله في هذا الشَّهر لقرب عهده بمخالطة جبريل وكثرة مدارسته له هذا الكتاب الكريم، ولا شكَّ أنَّ المخالطة تؤثِّر وتورث أخلاقًا من المُخالط، لكنَّ إضافةَ آثار(8) ذلك إلى القرآن _كما قال ابن المُنيِّر_ آكدُ من إضافتها إلى جبريل ◙ ، بل جبريل إنَّما تميَّز / بنزوله بالوحي عليه، فالإضافة إلى الحقِّ أَولى من الإضافة إلى الخلق، لا سيَّما والنَّبيُّ صلعم على المذهب الحقِّ أفضل من جبريل، فما جالس الأفضل إلَّا المفضول، فلا يُقاس على مجالسة الآحاد للعلماء(9).
          وفي هذا الحديث: تعظيم شهر رمضان لاختصاصه بابتداء نزول القرآن ثمَّ معارضة ما نزل منه فيه، وأنَّ ليله أفضل من نهاره، وأنَّ المقصود من التِلاوة الحضور والفهم لأنَّ اللَّيل مظنَّة ذلك لما في النَّهار من الشَّواغل والعوارض، وأنَّ فضل الزَّمان إنَّما يحصل بزيادة العبادة، وأنَّ مداومة(10) التِّلاوة توجب زيادة الخير، واستحباب تكثير العبادة في أواخر العمر(11).
          وهذا الحديث قد سبق في «كتاب الوحي» [خ¦6].


[1] في (د): «العين في الأوَّل».
[2] «المدنيِّ»: ليس في (د).
[3] في (د): «نزل».
[4] «رسول الله»: ليس في (د).
[5] قوله: «منذ أُنزِل عليه، أو من فترة الوحي... بعده رسول الله صلعم » ليس في (م).
[6] في (م): «تكون».
[7] في (د): «حثٌّ».
[8] «آثار»: ليس في (د).
[9] قال السندي في «حاشيته»: لكن قراءة النَّبي صلعم القرآن في صلاة اللَّيل وغيرها كانت دائمةً، ويمكن أن يكون لنزول جبريل عن الله تعالى كلَّ ليلة تأثير، أو يقال: يمكن أن تكون مكارم الأخلاق كالجود وغيره في الملائكة أتمَّ لكونها جبليَّة، وهذا لا ينافي أفضليَّة الأنبياء ‰ باعتبار كثرة الثَّواب على الأعمال، أو يقال: زيادة الجود كان بمجموع اللِّقاء والمدارسة، والله تعالى أعلم.
أو يقال: إنَّه كان ╧ يختار الإكثار في الجود في رمضان لفضلهِ أو لشكر نزول جبريل عليه كلَّ ليلةٍ فاتَّفق مقارنة ذلك بنزول جبريل ◙ ، والله تعالى أعلم.
[10] في (د): «ملازمة».
[11] قوله: «وفي هذا الحديث تعظيم شهر رمضان... واستحباب تكثير العبادة في آواخر العمر»: سقط من (م).