إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: فتنة الرجل في أهله وماله وجاره

          1895- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عُيَيْنَةَ قال: (حَدَّثَنَا جَامِعٌ) هو ابن أبي(1) راشدٍ الصَّيرفيُّ(2) الكوفيُّ (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) بالهمز شقيق بن سلمة (عَنْ حُذَيْفَةَ) بن اليمان أنَّه(3) (قَالَ: قَالَ عُمَرُ) بن الخطَّاب ( ☺ : مَنْ يَحْفَظُ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ) ولأبي الوقت: ”من يحفظ حديث النَّبيِّ“ ( صلعم فِي الفِتْنَةِ) المخصوصة؟ (قَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا سَمِعْتُهُ) صلعم (يَقُولُ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ) بأن يأتي بسببهم بغير جائزٍ (وَمَالِهِ) بأن يأخذه من غير حلِّه ويصرفه في غير مصرفه، وزاد في «باب الصَّلاة» [خ¦525] و«ولده» (وَجَارِهِ) بأن يتمنَّى سعةً كسعته كلِّها (تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ) وهذا موضع التَّرجمة، قال في «الفتح»: وقد يُقال: هذا لا يعارضه ما عند أحمد من طريق حمَّاد بن سلمة عن محمَّد بن زيادٍ عن أبي هريرة رفعه: «كلُّ العمل كفَّارةٌ إلَّا الصَّوم، الصَّوم لي، وأنا أجزي به» لأنَّه يُحمَل في الإثبات على كفَّارة شيءٍ مخصوصٍ وفي النَّفي على كفَّارة شيءٍ آخر، وقد حمله المصنِّف في موضعٍ آخر على تكفير مُطلَق الخطيئة، فقال في «الزَّكاة»: «باب الصَّدقة تكفِّر الخطيئة»، ثمَّ أورد هذا الحديث بعينه [خ¦1435] ويؤيِّد الإطلاق ما ثبت عند مسلمٍ من حديث أبي هريرة أيضًا مرفوعًا: «الصَّلوات الخمس ورمضان إلى رمضان مكفِّراتٌ ما(4) بينهنَّ ما اجتُنِبت الكبائر»، ولابن حبَّان في «صحيحه» من حديث أبي سعيدٍ مرفوعًا: «من صام رمضان وعرف حدوده؛ كفَّر ما قبله»، وعلى / هذا فقوله: «كلُّ العمل كفَّارةٌ إلَّا الصِّيام» يحتمل أن يكون المراد: إلَّا الصِّيام؛ فإنَّه كفَّارةٌ وزيادة ثوابٍ على الكفَّارة، ويكون المراد بـ «الصِّيام» الذي هذا شأنه: ما وقع خالصًا سالمًا من الرِّياء والشَّوائب. انتهى.
          (قَالَ) عمر لحذيفة ☻ : (لَيْسَ أَسْأَلُ عَنْ ذِهِ) بكسر الذَّال المعجمة وكسر الهاء في الفرع وأصله، وفي غيرهما: بالسُّكون، وهي هاء السَّكت ويجوز فيها الاختلاس والسُّكون والإشباع، واسم «ليس» ضمير الشَّأن (إِنَّمَا أَسْأَلُ عَنِ) الفتنة الكبرى (الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ البَحْرُ) أي: تضطرب كاضطرابه (قَالَ حُذَيْفةُ) زاد في «الصَّلاة»: ليس عليك منها بأسٌ يا أمير المؤمنين (وَإِنَّ دُونَ ذَلِكَ) ولابن عساكر: ”قال(5): إنَّ دون ذلك“ (بَابًا مُغْلَقًا) بالنَّصب صفةً لـ «بابًا» أي: لا يخرج شيءٌ من الفتن في حياتك (قَالَ) عمر: (فَيُفْتَحُ) الباب (أَوْ يُكْسَرُ؟ قَالَ) حذيفة: (يُكْسَرُ، قَالَ) عمر: (ذَاكَ) أي: الكسر (أَجْدَرُ) أَولى من الفتح‼، وفي نسخةٍ: ”أحرى“ (6) (أَلَّا يُغْلَقَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ) أي: إذا وقعت الفتنة فالظَّاهر أنَّها لا تسكن قطُّ، قال شقيقٌ: (فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ) هو ابن الأجدع: (سَلْهُ) أي: حذيفة (أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ البَابُ؟ فَسَأَلَهُ) أي: سأل مسروقٌ حذيفةَ عن ذلك (فَقَالَ: نَعَمْ) يعلمه (كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ) أي: أنَّ اللَّيلة أقرب من الغد، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي: ”أنَّ غدًا دون اللَّيلة“ قيل: وإنَّما عَلِمه عمرُ من قوله ╕ لمَّا كان والعُمَران وعثمان على حِراء(7) [خ¦3675] «إنَّما عليك نبيٌّ وصِدِّيقٌ وشهيدان»، وكان عمر هو الباب، وكانت(8) الفتنة بقتل عثمان، وانخرق بسببها ما لا يُغلَق إلى يوم القيامة.
          وهذا الحديث سبق في «باب الصَّلاة كفَّارةٌ» [خ¦525] ويأتي إن شاء الله تعالى في «علامات النُّبوَّة» [خ¦3586] و«الفتن» [خ¦7096].


[1] «أبي»: سقط من جميع النُّسخ، والمثبت هو الصَّواب.
[2] في (د) و(د1): «الهمدانيُّ»، وليس بصحيحٍ.
[3] «أنَّه»: ليس في (م).
[4] في غير (ب) و(س): «لما».
[5] «قال»: ليس في (م).
[6] في (د): «أخرى» وهو تصحيفٌ، و«نسخةٍ: أحرى»: ليس في (م).
[7] كذا في الأصول، وفي الصحيح «على أُحد».
[8] في غير (ب) و(س): «وكان».