إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان

          1442- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) بن أبي أويسٍ‼ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَخِي) أبو بكرٍ، اسمه عبد الحميد (عَنْ سُلَيْمَانَ) بن بلالٍ (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ) بضمِّ الميم وفتح الزَّاي المعجمة(1) وكسر الرَّاء المُشدَّدة، آخره دالٌ مهملتين، واسمه عبد الرَّحمن (عَنْ) عمِّه (أَبِي الحُبَابِ) بضمِّ الحاء المهملة وبمُوحَّدتين بينهما ألفٌ، مُخفَّفًا(2)، سعيد بن يسارٍ، ضدَّ اليمين (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ) ينزل فيه أحدٌ (إِلَّا مَلَكَانِ) فـ «ما» بمعنى: ليس، و«يومٍ» اسمه، و«من» زائدةٌ، و«يصبح العباد» صفةُ «يومٍ»، و«ملكان» مستثنى من محذوفٌ، هو خبر «ما» أي: ليس يومٌ موصوفٌ بهذا الوصف ينزل فيه أحدٌ إلَّا ملكان_كما مرَّ_ فحُذِف المُستثنَى منه، ودلَّ عليه بوصف الملكين (يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ / أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ) بقطع همزة «أَعطِ» (مُنْفِقًا) مالَه في طاعتك (خَلَفًا) بفتح اللَّام، أي: عوضًا، كقوله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}[سبأ:39] وقوله: «ابن آدم، أَنْفِقْ أُنْفِقْ عليك» [خ¦5352] (وَيَقُولُ) الملك (الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) زاد ابن أبي حاتمٍ من طريق قتادة عن أبي الدَّرداء: فأنزل الله تعالى في ذلك: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى} إلى قوله: {لِلْعُسْرَى}[الليل:5-10] وقوله: «اللَّهم أعط ممسكًا تلفًا» هو من قبيل المشاكلة؛ لأنَّ التَّلف ليس بعطيَّةٍ، وظاهره _كما قال(3) القرطبيُّ_ يعمُّ الواجبات والمندوبات، لكنَّ الممسك عن المندوبات لا يستحقُّ الدُّعاء بالتَّلف، نعم إذا غلب عليه البخل المذموم؛ بحيث لا تطيب نفسه بإخراج ما أُمِرَ به إذا أخرجه.
          ورواة هذا الحديث كلُّهم مدنيُّون، وأخرجه مسلمٌ في «الزَّكاة»، والنَّسائيُّ في «عِشْرة النِّساء»، وكذا أخرجه من حديث أبي الدَّرداء أحمدُ وابنُ حبَّان في «صحيحه»، والحاكم وصحَّحه(4)، والبيهقيُّ من طريق الحاكم بلفظ: «ما من يومٍ طلعت فيه شمسُه إلَّا وكان بجنبتيها(5) ملكان يناديان نداءً يسمعه ما(6) خلق الله كلُّهم غيرَ الثَّقلين: يا أيُّها النَّاس، هلمُّوا إلى ربِّكم، إنَّ ما قلَّ وكفى خيرٌ ممَّا كَثُرَ وألهى، ولا آبَتِ(7) الشَّمس إلَّا وكان بجنبتيها ملكان يناديان نداءً يسمعه خلق الله كلُّهم غيرَ الثَّقلين: اللَّهمُّ أعطِ منفقًا خلفًا، وأعط ممسكًا تلفًا». وأنزل الله في ذلك قرآنًا في قول الملكين: يا أيُّها النَّاس، هلمُّوا إلى ربِّكم في سورة يونس: {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[يونس:25] وأنزل الله في قولهما: «اللَّهم أعطِ منفقًا خلفًا، وأعط ممسكًا تلفًا: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى. وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} إلى قوله: {لِلْعُسْرَى}[الليل:1-10]»، وقوله: «بجنبتيها»، تثنية: جَنْبةٍ، بفتح الجيم وسكون النُّون، وهي النَّاحية.


[1] «المعجمة»: ليس في (د).
[2] في (د) و(م): «مُخفَّفةٌ».
[3] في (ص): «قاله».
[4] «وصحَّحه»: ليس في (ص).
[5] في (ص): «بجنبتها»، وكذا في الموضع اللَّاحق.
[6] «ما»: ليس في (د) و(س).
[7] في (د): «غابت».