إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها

          1425- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ) هو ابن محمَّدٍ، أخو أبي بكر ابن أبي شيبة، واسمه: إبراهيم قال: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) هو ابن عبد الحميد (عَنْ مَنْصُورٍ) هو ابن المعتمر (عَنْ شَقِيقٍ) هو ابن سلمة (عَنْ مَسْرُوقٍ) هو ابن الأجدع (عَنْ عَائِشَةَ ♦ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ) ولأبي ذَرٍّ: ”قال(1) النَّبيُّ“ (2) ( صلعم : إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ) على عيال زوجها وأضيافه ونحو ذلك (مِنْ طَعَامِ) زوجها الذي في (بَيْتِهَا) المتصرِّفة فيه، إذا(3) أَذِن لها في ذلك بالصَّريح(4) أو بالمفهوم من اطِّراد العُرف، وعلمت رضاه بذلك، حال كونها (غَيْرَ مُفْسِدَةٍ) له بأن لم تتجاوز العادة ولا يؤثِّر نقصانه، وقيَّد بالطَّعام لأنَّ الزَّوج يسمح به عادةً / ؛ بخلاف الدَّراهم والدَّنانير، فإنَّ إنفاقها منها بغير إذنه لا يجوز، فلو اضطرب العرف أو شكَّت في رضاه أو كان شحيحًا يشحُّ بذلك وعلمت ذلك من حاله أو شكَّت فيه حَرُم عليها التَّصدُّق من ماله إلَّا بصريح أمره، وليس في حديث الباب تصريحٌ بجواز التَّصدُّق بغير إذنه، نعم في حديث أبي هريرة عند مسلمٍ: «وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإنَّ نصف أجره له»، لكن قال النَّوويُّ: معناه من غير أمره الصَّريح(5) في ذلك القدر المُعيَّن، ويكون معها إذنٌ عامٌّ سابقٌ متناولٌ لهذا القدر وغيره، إمَّا بالصَّريح أو بالمفهوم كما مرَّ، قاله النَّوويُّ(6)، وقال الخطَّابيُّ: هو على العُرْف الجاري، وهو إطلاق ربِّ(7) البيت لزوجته إطعامَ الضَّيف والتَّصدُّق على السَّائل، فندب الشَّارع ربَّة البيت لذلك ورغَّبها فيه على وجه الإصلاح، لا الفساد والإسراف، وفي حديث أبي أُمامة الباهليِّ عند التِّرمذيِّ مرفوعًا، وقال: حسنٌ: «لا تنفق امرأةٌ شيئًا من بيت زوجها إلَّا بإذن زوجها»، قِيلَ: يا رسول الله، ولا الطَّعام؟ قال: «ذاك أفضل أموالنا»، وفي حديث سعد بن أبي وقَّاصٍ عند أبي داود، لمَّا بايع رسول الله صلعم النِّساء قامت امرأةٌ فقالت: يا رسول الله، إنَّا كَلٌّ على آبائنا وأبنائنا _قال أبو داود: وأُرى فيه: «وأزواجنا»_، فما يحلُّ لنا من أموالهم؟ قال: «الرَّطْبُ تأكليه وتهديه»، قال أبو داود: الرَّطب‼ _أي: بفتح الرَّاء_: الخبز والبقل والرُّطب، أي(8): بضمِّ الرَّاء، وتحصَّل من هذا أنَّ الحكم يختلف باختلاف عادة البلاد، وحال الزَّوج من مسامحةٍ وغيرها، وباختلاف حالِ المنفق منه بين أن يكون يسيرًا يُتسامَح به، وبين أن يكون له خطرٌ في نفس الزَّوج ويبخل بمثله، وبين أن يكون ذلك رطبًا، يُخشَى فساده إن تأخَّر وبين غيره (كَانَ(9) لَهَا) أي: للمرأة (أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ) غير مفسدةٍ (وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ) أي: بسبب كسبه (وَلِلْخَازِنِ) الذي يكون بيده حفظ الطَّعام المُتصدَّق منه(10) (مِثْلُ ذَلِكَ) من الأجر (لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ) أي: من أجر بعضٍ (شَيْئًا) نصب مفعول «ينقص»، أو «ينقص» كـ «يزيد» يتعدَّى إلى مفعولين(11) الأوَّل: «أجرَ»، والثَّاني: «شيئًا»، كـ {فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً}[البقرة:10].
          وفي هذا الحديث التَّحديث والعنعنة، وتابعيٌّ عن تابعيٍّ عن صحابيٍّ، ورواته كلُّهم كوفيُّون، وجريرٌ رازيٌّ، أصله من الكوفة، وأخرجه أيضًا في «الزَّكاة» [خ¦1440] و«البيوع» [خ¦2065]، ومسلمٌ في «الزَّكاة»، وكذا أبو داود والتِّرمذيُّ، وأخرجه النَّسائيُّ في «عِشرة النِّساء»، وابن ماجه في «التِّجارات».


[1] «قال»: ليس في (د).
[2] «ولأبي ذَرٍّ: قال النَّبيُّ»: ليس في (د).
[3] في (ص): «بأن».
[4] في (د): «بالتَّصريح».
[5] في (د): «التَّصريح».
[6] «قاله النَّوويُّ»: ليس في (ص)، وفي غير (م): «قال»، وليس بصحيحٍ.
[7] في (م): «لربِّ».
[8] «أي»: ليس في (د).
[9] زيد في (م): «أي».
[10] في (ص): «به».
[11] في (د): «لمفعولين».