الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه

           ░7▒ (باب: مِنَ الإيمَانِ...)
          ويَرِدُ عليه قول سليمان ◙: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ} الآية [ص:35]، ويَظهر الجواب بما بسطه صاحب «الجمل»، وفي آخره عن الشِّهاب: ليس طلبه للمُفاخرة بأمور الدُّنيا الفانية، وإنَّما كان هو مِنْ بيت نبوَّةٍ ومُلكٍ، وكان في زمن الجبَّارين وتفاخرهم بالملك، ومعجزة كلِّ نبيٍّ ما اشتُهر في عصره، كما غلب في عهد الكليم السِّحرُ، فجاءهم بما يتلقَّف ما(1) أتَوا به، وفي عهد نبيِّنا صلعم الفصَاحة، فأتاهم بكلامٍ لم يقدروا على أقصر سورةٍ منه(2)، وليس المقصود بقوله: {لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:35] استقلاله به بحيث لا يُعلى(3) أحدٌ مثلَه ليكون منافِسَه(4) في الملك، وحرصًا عليه. انتهى.
          وفيه أيضًا عن الكَرْخيِّ: أو المراد: / لا ينبغي لأحدٍ أن يسلبه منِّي في حياتي، كما فعل الشَّيطان الَّذِي لبس خاتمي، وجَلَس [على] كرسيِّي، أو أنَّ الله علم أنَّه لا يقوم غيره مقامه بمصالح ذلك الملك، واقتضت حكمته تعالى تخصيصه به فألهمه سؤاله، فلا يَرِد كيف قال سليمان ذلك مع أنَّه يشبه الحسد والبخل بنعم الله تعالى على عبيده بما لا يضرُّ سليمان(5). انتهى.
          قلت: وقد أخرج أبو داود في كتاب اللِّباس، عن أبي هريرة ☺ : (أنَّ رجلًا أتى النَّبيَّ صلعم وكان رجلًا جميلًا، قال: يا رسول الله، إنِّي رجلٌ حُبِّب إليَّ الجمال، وأُعْطِيت منه ما تراه حتَّى ما أحبُّ أن يفوقني أحدٌ، إمَّا قال: بشِراك نعلي، وإمَّا قال: بشِسْع نعلي، أفمِنَ الكبر ذلك؟ قال: لا، ولكنَّ الكبر [مَنْ] بَطِرَ الحقَّ وغَمِطَ النَّاسَ)(6).
          أو يقال: إنَّ مورد الحديث هم المؤمنون، وقصد بالحديث التَّوجيه إلى اختيار طريق الأُلفة، وذلك إنَّما يحصل إذا كان في القلب أنَّ الرَّجل يساويه في الاستحقاق، وأمَّا إذا تنافس النَّاس في استحصال الفواضل أدى ذلك إلى التَّحاسد والتَّباغض والاختلاف، وأمَّا سليمان: فكان نبيًّا لا يساوقه أحدٌ، فطلبُه هذه المرتبة العليَّة لا يكون سبب المنافسة والمنافرة(7).


[1] في (المطبوع): ((بما)).
[2] أنظر فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن لزكريا الانصاري ░488▒
[3] في (المطبوع): ((يعطى)).
[4] في (المطبوع): ((منافسةً)).
[5] أخرجه أبو داود في اللباس، باب ما جاء في الكبر، رقم4092، وأخرجه البخاري في (الأدب المفرد) ░556▒، وابن حبان في (صحيحه) ░5467▒، والحاكم في (المستدرك) 4/ 181- 182، وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والبيهقي في (شعب الإيمان) ░6193▒
[6] إرشاد الساري1/96
[7] في (المطبوع): ((المنافرة)) بلا واو.