الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الحياء من الإيمان

           ░16▒ (باب: الحَيَاءُ مِنَ الإِيمَان)
          أي: يمنع صاحبه عن ارتكاب المعاصي كما يمنعُه الإيمان، فسُمِّي إيمانًا مجازًا، مِنْ باب تسمية الشَّيء باسم ما يقوم مقامه، كذا في «تراجم مسنِد الهند».
          وقال القَسْطَلَّانيُّ: كما ذكر في السَّابق تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، ذكر هاهنا ما ينقص به الإيمان. انتهى.
          قلت: أو مراتب الحياء متفاوتةٌ جدًّا فلا بدَّ مِنْ تَفَاوت دَرَجات الإيمان.
          قال النَّوويُّ: في الحديث المتقدِّم مِنْ قوله صلعم: (الحياء شُعْبَةٌ مِنَ الإيمان)، قال القاضي وغيره مِنَ الشُّرَّاح: إنَّما جُعِل الحياء مِنَ الإيمان وإن كان غَرِيزةً، لأنَّه يكون تخَلُّقًا واكتسابًا كسائر أعمال البرِّ، وقد يكون غريزةً ولكنَّ استعماله على قانون الشَّرع يحتاج إلى اكتسابٍ ونيَّةٍ وعلمٍ، فهو مِنَ الإيمان لهذا، ولكونه باعثًا على أفعال الخير ومانعًا مِنَ المعاصي، وأمَّا كونه (خيرًا كُلُّه) و(لا يأتي إلَّا بخيرٍ) فقد يستشكل مِنْ حيث إنَّ صاحب الحياء قد يستحي(1) أن يواجه بالحقِّ رجلًا يُجِلُّه، فقد يترك(2) أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإخلال ببعض الحقوق، وغير ذلك ممَّا هو معروفٌ في العادة، والجواب عن هذا الإشكال أنَّ هذا المانع المذكور ليس بحياءٍ حقيقةً، بل هو عجزٌ ومهانةٌ وضعفٌ، وإنَّما تسميته حياءً مِنْ إطلاق بعض أهل العرف، أطلقوه مجازًا / لمشابهته الحياء الحقيقيَّ، وإنَّما حقيقة الحياء خُلُقٌ يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع عن التَّقصير في حقِّ ذي الحقِّ، ويدلُّ عليه ما ذكرناه عن الجُنَيد(3). انتهى.
          فقد حَكى عنه قبل ذلك فقال: رُوِّينا في «رسالة الإمام القُشَيْريِّ» عن السَّيِّد الجليل أبي القاسم الجُنَيد ⌂ قال: الحياء رؤية الآلاء، أي: النِّعم ورؤية التَّقصير، فيتولَّد بينهما حالةٌ تُسمَّى الحياء(4). انتهى.


[1] في (المطبوع): ((يستحيي)).
[2] في (المطبوع): ((فيترك)) بلا قد.
[3] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ج2/ص5
[4] وأخرجه مسلم، (رقم: 150) في الإيمان، باب: تألف قلب من يخاف على إيمانه، وأخرجه غيره، ولفظ مسلم: (قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلعم قَسْمًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَعْطِ فُلَانًا فَإنَّه مُؤْمِنٌ، فَقَالَ النَّبيّ صلعم: أَوْ مُسْلِمٌ, أَقُولُهَا ثَلَاثًا، وَيُرَدِّدُهَا عَلَيَّ ثَلَاثًا: أَوْ مُسْلِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللهُ فِي النَّارِ).