الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب

           ░38▒ (بابٌ) بغير ترجمةٍ
          قال شيخ الهند نوَّر الله مرقده في «تراجمه» ما تعريبه: ذكر المؤلِّف هاهنا بابًا بدون ترجمةٍ، وذكر فيه جزءًا مختصرًا مِنْ حديث هِرَقْل المذكور مطوَّلًا في بدء الوحي، وهو قوله: (سَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، / وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ [منهم] سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَزَعَمْتَ أَلَّا، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ، حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ لا يسخط(1) أَحَدٌ)، وقد ذكر الشُّرَّاح الكرام في هذا أقوالًا مختلفةً وهي موجودةٌ في شروحهم، والمناسب المفيد في رأينا بأنَّ المؤلِّف ⌂ قد أخاف مِنَ النِّفاق والحَبَط قريبًا في: (باب: خوف المؤمن...) إلى آخره، حتَّى إنَّه ذكر أنَّ الاعتماد على إيمان نفسه مِنْ علامات النِّفاق، فأراد الآن مكافأةً لذلك أن يبيِّن أنَّ الَّذِي يرسخ في قلبه الإيمان مرَّةً ويُشرح(2) صدره فهو مأمون العاقبةِ إن شاء الله، ولا يحصل الخلل في إيمانه، ولا يرتدُّ إلَّا مَنْ لم يثبت الإيمان في داخل قلبه، وبعد شرح الصَّدر يأمن مِنَ الارتداد أيضًا بإذن الله، لكنَّ المؤلِّف لم يصرِّح بذلك احتياطًا وسدًّا للذَّريعة، ولا يبعد أنَّه فعل ذلك لغرض التَّشحيذ والاحتياط، فالآن لو جعلت هاهنا ترجمةً جديدةً كما ذكرنا في الأصول بذيل الأبواب بدون التَّراجم فالأحسن أن نجعل آية {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} [الأنعام:125] أو آية: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} [الزمر:37] ترجمةً، فإنَّه يناسب المقام ونهج المؤلِّف، ثُمَّ إنَّه ذكر في كلام هِرَقْل لفظة: (وكذلك الإيمان) في موضعين:
          والمراد به في الأوَّل الدِّين.
          وفي الثَّاني التَّصديق القلبيُّ.
          فما أثبته المؤلِّف في الباب السَّابق يؤيِّده قول هِرَقْل هاهنا، وبهذا يمكن أن نعدَّ هذا الباب مِنْ متعلِّقات الباب السَّابق أيضًا، ويمكن أن يكون هذا أيضًا في نظر المؤلِّف، وصار تعدُّد الفوائد موجبًا لترك التَّرجمة، والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى.
          وهذا الباب ذكره شيخ الهند في الجدول الرَّابع في الأبواب الخالية عن التَّراجم، ورقم عليه نقطةً واحدةً، وقد تقدَّم أنَّ النُّقطة الواحدة إشارةٌ إلى أن حذف التَّرجمة للتَّمرين وتشحيذًا للأذهان.
          وقال الحافظ: هكذا بلا ترجمةٍ في رواية كريمة وغيرها، وسقط الباب مِنْ رواية أبي ذرٍّ وغيره، ورجَّح النَّوويُّ الأوَّل قال: لأنَّ التَّرجمة السَّابقة _يعني سؤال جبريل_ لا يتعلَّق بها هذا الحديث فلا يصحُّ إدخاله فيه.
          قال الحافظ: نفي التَّعلق لا يتمُّ بهذا لأنَّ الباب بلا ترجمةٍ كالفصل للسَّابق فلا بدَّ له مِنْ تعلُّقٍ، فيقال: إنَّه يتعلَّق بقوله في التَّرجمة السَّابقة، وجعل ذلك كلَّه دِينًا فسمِّي الدِّين إيمانًا في حديث هِرَقل، فيتمُّ مراد المصنِّف بكون الدِّين هو الإيمان. انتهى.
          وأجاب الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع» عمَّا يرد على الإمام البخاريِّ أنَّه كيف استدلَّ بقول هِرَقل وهو كافرٌ بأنَّه صار حجَّةً لتقريره(3)╕، لأنَّ الظَّاهر أنَّ أبا سفيان حكاه بحضرته. انتهى.
          وأجاب الحافظ بأنه قال عن استقراء كتب الأنبياء، وأيضا قاله بلسانه الرومي، وعبر عنه أبو سفيان بلسانه العربي، وألقاه إلى ابن عباس وهو من علماء اللسان، فرواه عنه ولم ينكره، فدل على أنه صحيح لفظا ومعنى. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((يسخطه)).
[2] في (المطبوع): ((وينشرح)).
[3] في (المطبوع): ((لتقرير)).