الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب حسن إسلام المرء

           ░31▒ (بَاب: حُسْن إِسْلَامِ الْمَرْءِ)
          كتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع» قوله: (فَحَسُنَ إِسْلامُه) وكذلك قوله: (إلى سَبْعِ مئةِ ضِعْفٍ) يدلَّان على زيادة الإيمان ونقصه حيث كان الحسن متفاوتًا، وكذلك تفاوت ما بين أجور الحسنات مِنَ العشرة إلى سبع مئة ضعفٍ ينبئ عن ذلك، وكذلك في قوله تعالى مِنَ الباب السَّابق: {لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:143] دلالةٌ على تفاوت مراتب الإيمان حسب تفاوت مراتب الصَّلاة في الحسن والقَبول، فإنَّ الصَّلاة لمَّا كانت إيمانًا كان تفاوت درجاتها تفاوتًا في درجات الإيمان ومراتبه، وتفاوت ما بين المصَلِّين مستغنٍ عن البيان. انتهى.
          وفي «هامشه» قوله: تفاوت ما بين المصلِّين... إلى آخره، ففي أبي داود مِنْ حديث عمَّار بن ياسرٍ رفعه: (إنَّ الرَّجل ليَنْصَرف وما كُتب له إلَّا عُشر صلاته، تُسعُها وثُمُنها)(1)... الحديث، وما أفاده الشَّيخ مِنْ قوله: كان الحُسْنُ متَفَاوِتًا... إلى آخره، كتب في «هامش اللَّامع» بذلك جزم الحافظ دون العينيِّ، قال القَسْطَلَّانيُّ: قول الحافظ: إنَّ الحديث يَرِد على مَنْ أنكر الزِّيادة والنَّقص(2) في الإيمان، لأنَّ الحسن تتفاوت درجاته، تعقَّبَه العينيُّ بأنَّ الحسن مِنْ أوصاف الإيمان، ولا يلزم مِنْ قابليَّة الوصف الزِّيادة والنَّقص قابليَّة الذَّات... إلى آخر ما ذكره.
          وفي «القول الفصيح»: ثُمَّ لا يخفى أنَّ الصَّلاة في أوقاتها آيةٌ باهرةٌ لحسن إسلام المرء، فإنَّها(3) {لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} الآية [البقرة:45] فجاء تعقيب الصَّلاة بباب: حسن إسلام المرء في غاية الحسن واللَّطافة. انتهى.
          قلت: لمَّا ذكر في الباب الأوَّل حرص الصَّحابة على دينهم وشفقتهم على إخوانهم حيث اغتمُّوا على صلاتهم(4) السَّابقة، وكذا على إخوانهم الَّذين ماتوا على الصَّلاة إلى البيت المقدَّس قبل التَّحويل، وكذا وقع لهم(5) نظير ذلك في تحريم الخمر، فنزل: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} إلى قوله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة:93] وقوله: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف:30] ذكر هذا الباب فذكر الدَّليل على أنَّ المسلم إذا فعل الحسنة أثيب عليها، كذا في «الفتح».
          وبسط الكلام في «هامش اللَّامع» على حديث الباب، وفيه الكلام أيضًا على أنَّ الكافر هل يثاب على حسناته إذا أسلم؟ كما مال إليه إبراهيم الحربيُّ مِنَ الحفَّاظ مِنْ أصحاب أحمد بن حنبلٍ وابنُ بطَّالٍ والسُّهَيْليُّ والقُرْطبيُّ وابن المُنَيِّر مِنَ المالكيَّة وجزم به النَّووي مِنَ الشَّافعيَّة، قال في «شرح المهذَّب»: والصَّواب المختار أنَّه يثاب عليها في الآخرة، وقد نُقل الإجماع عليه، ومَنْ أطلق بخلاف ذلك فهو غالطٌ مخالفٌ للسُّنَّة الصَّحيحة الَّتي لا مُعارض لها. انتهى.
          وهكذا نُقل عن اللِّقائيِّ(6)(7) مِنَ الحنفيَّة.


[1] كذا ورد في الأصل ولم أعثر على من عرف بهذا اللقب من الحنفية.
[2] في (المطبوع): ((النقص)).
[3] في (المطبوع): ((وإنها)).
[4] في (المطبوع): ((صلواتهم)).
[5] في (المطبوع): ((له)).
[6] في (المطبوع): ((اللقاني)).
[7] أصل هذا الحديث في الصحيحين وأخرجه بهذا اللفظ الترمذي في أبواب صفة جهنم، باب ما جاء أن للنار نفسين، وما ذكر من يخرج من النار من أهل التوحيد (رقم 2593) وقال (هذا حديث حسن صحيح)، وفي مسند أحمد، مسند أنس بن مالك، (رقم 12772) وغيرهما