الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال

           ░15▒ (بَاب: تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ...)
          قال القَسْطَلَّانيُّ: لمَّا ذكر في الحديث السَّابق ثلاث خصالٍ والنَّاس مختلفون فيها، شرع في ذكر تفاضل الأعمال. انتهى.
          قال الحافظ: قوله: (في الأعمال) في ظرفيَّةٌ، ويحتمل أن تكون سببيَّةً، أي: التَّفاضل الحاصل بسبب الأعمال. انتهى.
          واختاره شيخنا الدِّهلويُّ في «التَّراجم» إذ قال: و(في) للتَّعليل. انتهى.
          وذكر الشَّيخ الكنكوهيُّ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع» أنَّ المصنِّف ☼ أشار بذلك إلى إثبات ما ذهب إليه الفقهاء والمتكلِّمون مِنْ أنَّ الزِّيادة والنُّقصان إنَّما هما باعتبار الكيفيَّات الزَّائدة والثَّمرات المترتِّبة، فأمَّا نفس التَّصديق المنجي مِنَ الخُلود فأمرٌ بسيطٌ لا يقبل الزِّيادة والنُّقصان، فزادَ لفظَ (الأعمال) في التَّرجمة إشارةً إلى ما ورد في الرِّوايات مثل ذلك، كما في رواية أبي سعيدٍ الخُدْريِّ: المسُوقة قريبًا فإنَّما هو التَّفاوت بحسب الأعمال، ثُمَّ إنَّ صنيعَه [هذا] وكذلك ما سلكه في أكثر الأبواب ردٌّ على المُرجئة. انتهى.
          والظَّاهر عند هذا العبد الضَّعيف أنَّ المصنِّف ⌂ مال إلى النَّقْص والزِّيادة / في التَّصديق القلبيِّ أيضًا، كما هو ظاهرٌ مِنْ عامَّة تراجمه، فإنَّه تقدَّم قريبًا (الْمَعْرِفَة فِعْلُ القَلْب) وقرنه بقوله: (أعلَمُكُم)، لكنَّ قوله في التَّرجمة هذه لفظ (الأَعْمَال) يؤيِّد كلام الشَّيخ قُدِّس سرُّه.
          وبسط في «هامش اللَّامع» الكلام على شرح كلام الشَّيخ، وفيه: وحَكَى مولانا محمَّد حسن المكِّيُّ في «تقريره» قوله: (بَاب: تَفَاضُلِ أهْلِ الإِيمَان)، المقصود مِنْ مثل هذا الباب، كما سيجيء مِنْ قوله: (بَاب: الْمَعَاصي مِنْ أمْرِ الجَاهِلِيَّة وَلا يُكَفَّرُ صَاحِبُها)، وكذا ما مرَّ مِنْ قوله: (يَزِيْدُ ويَنْقُص) أنَّ الأعمال ليست بداخلةٍ في أصل الإيمان وهو التَّصديق، وليست بأركانٍ له، بل هي مكمِّلةٌ له، فهي أجزاءٌ للإيمان الكامل، وهذا بعينه مذهب المتكلِّمين، فلا نزاعَ هنا أصلًا.
          وقوله: (مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَان) وصِغَرُ إيمانه هَذا باعْتِبار الكَيْفِيَّة فقط، وذلك لعدم الأعمال له أصلًا، فالحاصل أنَّ الإيمان يزيد كيفًا بكثرة الأعمال، وينقص كيفًا بقِلَّتِها، حتَّى إنَّ مَنْ لم يكن له أعمالٌ أصلًا يكون إيمانه في غاية الصِّغَر كيفًا، فثبت تفاضُل أهل الإيمان في الأعمال.
          ويمكن أن يقال إن قوله في الترجمة (في الأعمال) شارح(1) لما في الحديث (من خردل من إيمان)، وغرضه بيان أن المراد بالإيمان في الحديث هو الأعمال، بدليل ما ورد في رواية أخرى بدله لفظ <من خير>، فيكون حاصل الترجمة أن المؤمنين متفاوتون في الأعمال، فبعضهم عمله أزيد من البعض الآخر، ولكن مع ذلك مقصود البخاري واضح، فإنه بصدد إثبات الزيادة والنقصان في الإيمان، وقد أثبت فيما قبل كون الأعمال من الإيمان، وثبت(2) بهذا الباب التفاضل في الأعمال، فثبت التفاضل في(3)الإيمان، والله أعلم.


[1] في (المطبوع): ((شارحة)).
[2] في (المطبوع): ((فثبت)).
[3] قوله: ((الأعمال، فثبت التَّفاضل في)) ليس في (المطبوع).