الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب إفشاء السلام من الإسلام

           ░20▒ (باب: إِفْشَاء السَّلامِ...)
          قال العينيُّ: وجه المناسبة بين البابين هو أنَّ مِنْ جملة المذكور في الباب السَّابق أنَّ الدِّين هو الإسلام، والإسلام لا يكمل إلَّا باستعمال خِلَاله، ومِنْ جملة خِلَاله إفشاء السَّلام للعالم، وفي هذا الباب يُبَيِّن هذه الخلَّة في الحديث الموقوف والمرفوع جميعًا، مع زيادة خلَّةٍ أخرى فيهما وهي إطعام الطَّعام وزيادة خلَّةٍ أخرى / في الموقوف وهي الإنصاف مِنْ نفسه. انتهى.
          قال الكرمانيُّ: فإن قلت: الحديث بعينه هو المتقدِّم أي: في (باب: إطْعَام الطَّعَام...) إلى آخره، فلمَ ذكره مكرَّرًا؟ قلت: ذكره ثمَّة للاستدلال على أنَّ الإطْعام مِنَ الإسلام، وهاهنا الاستدلال(1) على أنَّ السَّلام منه، فإن قلت: كيف(2) كان يكفيه أن يقول ثمَّة أو هاهنا: باب: الإطعام والسَّلام مِنَ الإسلام، بأن يدخلهما في سلكٍ واحدٍ، ويتمُّ المطلوب.
          ثُمَّ أجاب عن ذلك: بأنَّ البخاريَّ تبع في وضع التَّراجم مشايخه، وأنكره الحافظ ابن حجرٍ أشدَّ الإنكار وقال: الظَّاهر مِنْ صنيع البخاريِّ الَّذِي قصد(3) تعديد شعب الإيمان كما قدَّمناه، فخصَّ كلَّ شعبةٍ ببابٍ تنويهًا بذكرها، وقصْد التَّنويه يحتاج إلى التَّأكيد، فلذلك غايَر بين التَّرجمتين. انتهى.
          قوله: (الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ...) إلى آخره، وفي «هامش اللَّامع» وفي «تقرير مولانا محمد حسن المكِّيِّ»: أي: إعطاء الإنصاف مِنْ نفسك بأن يقول للمظلوم: خذ ظلمك منِّي. انتهى.
          قلت: وهذا أوجهُ عندي ممَّا قالته الشُّرَّاح قاطبةً، ففي القَسْطَلَّانيِّ تبعًا للحافظ قوله: الإنصاف، أي: العدل مِنْ نفسك بأن لم تترك لمولاك حقًّا واجبًا عليك إلَّا أدَّيته، ولا شيئًا ممَّا نُهيت عنه إلَّا اجتنبتَه، وأنت خبيرٌ بأنَّ هذا الَّذِي قالوه هو تمام الإيمان، فأيُّ شيءٍ بقي بعد ذلك؟ والوارد في الأثر (ثَلاثٌ مَنْ جَمَعَهنَّ جَمَع الإيمان)، فالموافق للفظ الأثر ما أفاده الشَّيخ قُدِّس سرُّه، قال العينيُّ: يقال: أنصفه مِنْ نفسه، وانتصفت أنا منه. انتهى.
          قال المجد: انتصف منه: استوفى حقَّه منه، وتناصفوا: أنصف بعضهم بعضًا(4). انتهى.
          (مِنَ الإِقْتَارِ) _بكسر الهمزة_ أي: في حالة الفقر، كذا قال القَسْطَلَّانيُّ.


[1] في (المطبوع): ((للاستدلال)).
[2] قوله: ((كيف)) ليس في (المطبوع).
[3] في (المطبوع): ((أنه يقصد)) بدل قوله: ((الذي قصد)).
[4] أخرجه البخاري في العلم، باب الإنصات للعلماء، رقم ░121▒ ومسلم في الإيمان، باب لا ترجعوا بعدي... رقم ░65▒، وغيرهما