الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قول النبي أنا أعلمكم بالله

           ░13▒ (بَاب: قَوْلِ النَّبيِّ صلعم: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ)
          أشكل إدخاله في كتاب الإيمان، والمسألة مِنْ كتاب العلم على الظَّاهر، وفي «تراجم شيخ الهند» أنَّ الشُّرَّاح اختلفوا في توجيه ذلك، والمرجَّح عندي أنَّ المصنِّف أراد بذلك التَّنبيه على الزِّيادة والنُّقصان في التَّصديق القلبيِّ، الَّذِي هو فعل القلب، بإثبات التَّفاوت في العلم، الَّذِي هو فعل القلب، وإليه أشار بقوله: المعرفة فعل القلب.
          وفي تقرير مولانا محمَّد حسن المكِّيِّ ☼ أنَّه لمَّا كان ورد في بعض الرِّوايات بدله <أنا أعرفكم بالله> فسَّر المعرفة، وأشار إلى ترادف العلم والمعرفة وتمامُه في «هامش اللَّامع».
          وقال القَسْطَلَّانيُّ في آخر الباب السَّابق: لمَّا كان الفرار مِنَ الفتن لا يكون إلَّا على قدر قوَّة دِين الرَّجل وهي تدلُّ على قوَّة المعرفة، شرع بذكر ذلك فقال: (باب: قول النَّبيِّ صلعم...) إلى آخره، وظاهر كلام الكَرْمانيِّ أنَّ الغرض ردٌّ على الكرَّاميَّة القائلة بأنَّ الإيمان هو النُّطق فقط.
          وكتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع» اعلم أنَّ العلم نوعان:
          كسبيٌّ: وهو حاصلٌ بالاختيار.
          وغيره: وهو الواقع في القلب بالاضطرار.
          والمعتبر في الإيمان مِنَ التَّصديق ما كان اختيارًا منه، لا ما وقع في القلب ضرورةً، وليس / كسبًا له، وهو المعبَّر عنه في قوله تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:146]، والكسبيُّ: هو الممدوح عليه، فهو المراد في قوله: (أنَا أعْلَمُكُم بالله)، ولا ريب في أنَّه فعل القلب لثبوت المؤاخذة عليه بالآية.
          فكان حاصل التَّرجمة أنَّ النَّبيَّ صلعم لمَّا أثبت لنفسه الأعلميَّة _والعلم هو الإيمان_ ثبت التَّفاوت بين أفراد الإيمان والمؤمنين، ولمَّا كان الإيمان هو الكَسبىُّ مِنَ العلم لا مُطْلَقه احتجَّ عليه بالآية، فإنَّ المؤاخَذة لمَّا لم يكن إلَّا على الأفعال الاختياريَّة كان المأمور به هو العلم الكسْبيُّ لا العلم الضَّرُوريُّ، وهو المُراد في الرِّواية، لأنَّه مذْكُورٌ في مَعْرِض المدح، ولا مدحَ إلَّا على الاختياريِّ.
          وأيضًا ففي قوله: (أَتْقَاكُم)، حجَّةٌ أخرى على قَبول الإيمان الزِّيادةَ والنُّقصان، لأنَّ التَّقوى هو الإيمان أو لأنَّ التَّقوى اجتناب السَّيِّئات، وهو داخلٌ في الإيمان، فكان التَّفاوت فيه بالزِّيادة والنُّقصان تفاوتًا بهما في الإيمان، لِما أنَّ الكلَّ يتَّصف بالتَّغَيُّر إذا تغَيَّرت أجزاؤه.
          وبسط في «هامش اللَّامع» في شرح ما ذكر الشَّيخ، وفيه يشكل على المصنِّف إيراد هذا الباب في كتاب الإيمان، وكان حقُّه كتاب العلم.
          قال الكرماني وتبعه شيخ مشايخنا مسند الهند الدهلوي في «التراجم» إذ قالا فإن قلت ما وجه تعلق هذه الترجمة للإيمان؟ قلت العلم بالله، وكذا المعرفة به هو التصديق به، فهو من الإيمان، لأن الإيمان إما التصديق، أو التصديق مع العمل، فالمقصود بيان أن رسول الله صلعم أشد إيمانا منهم، وبيان أن الإيمان هو بعضه فعل القلب ردا على الكرامية. انتهى.