الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الصلاة من الإيمان

           ░30▒ (بَاب: الصَّلاة مِنَ الإِيمَانِ)
          لمَّا ذكر في الحديث السَّابق الاستعانةَ بالأوقات الثَّلاثة في إقامة الطَّاعات _والصَّلاة أفضلُ العبادات_ نبَّه بذلك على الصَّلوات الخمس، فإنَّ الفجر الغَدوة، والظُّهْرَين الرَّوحَة، والعِشَاءين شيءٌ مِنَ الدُّلْجَة، كذا في العيني مختصرًا.
          قوله: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ...} إلى آخره [البقرة:143]
          قال الشَّيخ الكنكوهيُّ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع» أيَّدَ به التَّرجمة لما فيه مِنْ إطلاق الإيمان على الصَّلاة إطلاق الكلِّ على جزئه، ففيه دخول الصَّلاة وهي مِنَ الأعمال في الإيمان، مع أنَّ مراتب المصلِّين بحسب تفاوت صلاتهم(1) في الحُسْنِ والقَبُول متفاوتةٌ، فَيَتَطرَّق بذلك تفاوتٌ في مراتب الإيمان.
          ولعلَّ غَرَضهم ═ ليس هو السُّؤال عن نفس الأجر، بل المسألة إنَّما وقَعَت لأنَّهم لمَّا عَلِمُوا أنَّ النَّاسخ خيرٌ مِنَ المنسوخ أو مثله، وقد علموا أيضًا أنَّ إكمال الدِّين يومًا فيومًا يقتضي أن يكون الحكم الآتي بعد حكمٍ أكملَ منه وأفضلَ عند الله، وكان النَّبيُّ صلعم يحبُّ أن يحوَّل إلى الكعبة، فكان ذلك أوَّل دليلٍ أيضًا على فضل الصَّلاة عليها(2)، فاشتبه أمر الثَّواب المترتِّب(3) على صلاتهم إلى بيت المقْدِس، هل يساوي أجور صلاتنا إلى الكعبة، أو / يكون دون ذلك. انتهى.
          قوله: (عِنْدَ البَيْتِ)، وقال شيخ الهند في «تراجمه» الَّذِي يحتاج إلى البيان والتَّوضيح هو قوله: (عند البيت)، فإنَّه ممَّا يختلج في القلب، ولذا حمله بعض الشُّرَّاح على التَّصحيف، وأوَّلَه بعضُ المحقِّقين بما لا يَخْلو عن تَكَلُّفٍ، والأحسن عندنا ألَّا يُتَكَلَّف بأيِّ تأويلٍ، بل يجعلُ الظَّرف متعَلِّقًا بالصَّلاة على ما هو الظَّاهر، ويكون التَّقدير: صلاتكم إلى البيت المقدَّس، وإنَّما كنَّا نحتاج إلى التَّأويل أو دعوى التَّصحيف، لو كان المصنِّف قال: إلى البيت، وأمَّا قوله: عند البيت، فقرينةٌ على أنَّ تلك الصَّلوات لم تكن إلى البيت، فإذا لم تكن إلى البيت فلا بدَّ أن تكون إلى البيت المقدَّس، وهذا ممَّا لا شكَّ فيه، ولمَّا كانت الصَّلوات الَّتي صُلِّيَت قبل الهجرة عند البيت الحرام إلى البيت المقدَّس كثيرةً، مع كونها أُدِّيَت في المسجد الحرام الَّذِي هو مقامٌ مقدَّسٌ ومكانٌ أفضل، فيُسْتَبعد جدًّا ضياعُها، فلذا وقع التَّصريح بها، بخلاف الصَّلوات الَّتي صُلِّيت إلى البيت المقدَّس بعد الهجرة، فإنَّها لم تكن بتلك الكثرة، وأيضًا ما صُلِّيَت في المسجد الحرام، فلم يقع الاحتياج إلى الإشارة إليها، وأيضًا هذا أوفق وألصق بشأن النُّزول، فتأمَّل ولا تعجل. انتهى.
          وقيل: هو تصحيفٌ، والصَّواب إلى غير البيت، فإنَّها كانت إلى بيت المقدس، وقال الحافظ: لا تحريف بل المقصود دقيقٌ، وهو أنَّ الصَّلاة إلى غير البيت مع كونه عند البيت إذا لم تضع فهي مع البعد عنه إلى غير البيت كيف تضيع؟ كذا في القَسْطَلَّانيِّ. انتهى، والبسط في «هامش اللَّامع».
          وقيل: المراد بالبيت مكَّة، وكانت الصَّلاة عنده إلى بيت المقدس، كذا في الكرمانيِّ.
          وقال السندي الظرف ليس متعلقا بالصلاة حتى يرد أنه تصحيف، والصواب صلاتكم لغير البيت، بل هو متعلق لقول الله تعالى {وما كان الله} [البقرة:143] أي ما كان الله ليضيع صلاتكم قبل استقبال البيت أي لا يبطل الله صلاتكم حين استقبلتم البيت، فإن استقبال البيت خير، فلا يترتب عليه فساد الأعمال السابقة، والله أعلم.


[1] في (المطبوع): ((صلواتهم)).
[2] في (المطبوع): ((إليها)).
[3] في (المطبوع): ((المرتب)).