الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب أمور الإيمان

           ░3▒ (باب: أمُور الإِيْمَانِ)
          ذكر في «التَّقرير»: ليس المقصود هو إثبات جزئيَّة الأعمال أو قَبول الإيمان زيادة ونقصانًا، فإنَّ البحث قد انبَرَم، وإنَّما المقصود هاهنا تفسير بعض مقتضيات الإيمان وآثاره تنبيهًا على أنَّ المؤمن ليس مِنْ شأنه الإخلالُ بها. انتهى.
          وفي «تقرير مولانا حسين عليٍّ البنجابيِّ» عن الشَّيخ الكنكوهيِّ قُدِّس سرُّه: أورد هذا الباب لدفع وهم أنَّ الأجزاء / هو الخَمْس فقط، وقال: الإيمان عندهم كُلِّيٌّ مُشَكِّك،(1) وهذه الأبواب كلُّها تدلُّ على زيادة الإيمان ولا يضرُّنا. انتهى.
          وأجمل حضرة شيخ الهند الكلام على الأبواب كلِّها في «تراجمه» فقال ما تعريبه: ثمَّ يلاحظ أنَّ المؤلِّف ⌂ جعل في تراجم الأبواب الآتية العملَ مِنَ الإيمان في بعضها، ومِنَ الإسلام في أخرى، ومِنَ الدِّين في بعض(2) الآخر، وأتى بالآيات والأحاديث والآثار في تأييد مدَّعَاه، ثمَّ إنَّه في بعضها يأتي في التَّرجمة بإحدى هذه الألفاظ، ويكون في الحديث لفظٌ آخر، فمثلًا ذكر الإسلام في ترجمته، والمذكور في الحديث الِإيمَانُ أو الدِّينُ أو عكسُه، فهذه الأمور كلُّها لا إشكال فيها ألبتَّة، فالظَّاهر أنَّ غرض المؤلِّف ⌂ بيانُ مسلك السَّلف الأكابر في هذا الباب، كما صرَّح به العلَّامة السِّنْديُّ(3) وغيره.
          فأظهر المؤلِّف ☼ أنَّ السَّلف كانوا يتوسَّعون في إطلاق أجزاء الإيمان على الأعمال، وأنَّ بين الإسلام والإيمان والدِّين ارتباطًا وثيقًا بحيث إنَّه(4) يصحُّ أن يسمَّى أجزاءُ أحدها بأجزاء الآخر، فحصل بذلك الرَّدُّ التَّامُّ على رأي المرجئة.
          ثمَّ تظهر إشارةٌ لطيفة إلى أنَّه ينبغي لنا أن نتَّبِع السَّلف في هذه(5) الأمر، ولا حاجة إلى التَّعمُّق في المباحث الكلاميَّة الَّتي أوجدها المتأخِّرون، وإن كانت صحيحةً ولم يخالَف مسلكُ السَّلف، وهذه عادة المؤلِّف خصوصًا في المسائل الاعتقاديَّة، أنَّه يردُّ على أهل الأهواء صراحةً، وأحيانًا إشارةً، وأمَّا أهل الحقِّ فإنَّ المؤلِّف يشير إليهم بخفاء واحتياط بليغ ولا يُتَنبَّه له إلَّا بالخوض الصَّحيح، ويظهر ذلك في كتاب «الرَّدُّ على الجَهْميَّة» على وجه الكمال. انتهى مختصرًا.
          وعامَّة الشُّرَّاح حملوا هذه الأبواب كلَّها إلى تركيب الإيمان، وكونه ذا أجزاء، فاختلفوا في هذه الأبواب كلِّها الآتية على أربعة أقوال:
          الأوَّل: ما قالته الشُّرَّاح: إنَّ المقصود مِنْ هذه الأبواب كلِّها الاستدلالُ على زيادة الإيمان بنفسه، وكون الإيمان مركَّبًا.
          والثَّاني: قول الشَّيخ في «اللَّامع» إذ قال: إنَّ البحث في ذلك قد انبرم، ومقصود هذه الأبواب تفصيل بعض مقتضيات الإيمان والآثار.
          والثَّالث: مقتضى كلام شيخ الهند أنَّ المقصود مِنْ هذه الأبواب الرَّدُّ على المرجئة، وإثبات مسلك السَّلف، كما تقدَّم في كلامه ☼ مفصَّلًا.
          والرَّابع: أنَّ المقصود أنَّ لفظ الخَمْس في حديث: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ) ليس للحصر، وإنَّما بسط المصنِّف في الرَّدِّ على المرجئة، لأنَّ مسلكهم يُبطل الأعمال كلَّها، بخلاف مسلك الخوارج فإنَّ مسلكهم يشدِّد في أمر الأعمال.
          (وقَوْلُ اللَّهِ ╡: {لَيْسَ الْبِرَّ} إلى آخره [البقرة:177])، قال القَسْطَلَّانيُّ: والآية جامعة للكمالات الإنسانيَّة بأسرها، فإنَّها بكثرتها منحصرة في ثلاثة:
          1-صحَّة الاعتقاد.
          2-وحسن المعاشرة.
          3-وتهذيب النَّفس.
          وإليه أشار النَّبيُّ صلعم بقوله: (مَنْ عَمِلَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ)(6)، وهذا وجه استدلال المؤلِّف بهذه الآية، وفي حديث أبي ذرٍّ بسند صحيح أنَّه سأل النَّبيَّ صلعم عن الإيمان، فتلا هذه الآية(7). انتهى.
          وكتب الشَّيخ في «اللَّامع»: {لَيْسَ الْبِرَّ} [البقرة:177] أي: الإيمان، لأنَّه أعلى البرِّ، وكذلك في قوله: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} [البقرة:177]، وأنت تعلم ما فيه، فإنَّ العطف يقتضي المغايرة كما هو أصله، إلَّا بدليل يقوم على خلافه، فكان المعطوف على الإيمان مغايرًا له لا داخلًا فيه، إلَّا أن يقال: جعل الإيمان نوعين: كاملًا وعبَّر عنه بالبرِّ وهو الإيمان وما عطف عليه، وناقصًا وعبَّر عنه بالإيمان، والمعطوفات خارجة عنه، هذا ظاهر ولا ينكره أحد.
          ({قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1])، أي: فاز، وهذه آية أخرى استدلَّ بها الإمام على مَرَامه وهو [أمور] الإيمان، وساق / الكَرْمانيُّ الآية إلى قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون:9]، وقال: فعُلم منها أنَّ الإيمان الَّذِي به الفلاح والنَّجاة الإيمان الَّذِي فيه هذه الأعمال المذكورة.
          قال ابن بطَّالٍ: التَّصديق أوَّل منازل الإيمان، والاستكمال إنَّما هو بهذه الأمور، وأراد البخاريُّ الاستكمال، ولهذا بوَّب أبوابه عليه، فقال: (باب: أمور الإيمان) و(باب: الجهاد) و(باب: الصَّلاة مِنَ الإيمان)(8). انتهى.
          وقال في «الفتح»: ويحتمل أن يكون ساقه تفسيرًا لقوله: {هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177]، تقديره: المتَّقُون هم الموصوفون بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ}.
          وفي رواية الأَصيليِّ: <وقَدْ أَفْلَحَ> بإثبات الواو.
          وفي رواية ابن عساكر: <وقوله: وقد(9) أفلح>، وفيهما ردٌّ لما قاله في «الفتح» مِنِ احتمال التَّفسير. انتهى ما في القَسْطَلَّانيِّ.


[1] أخرجه ابن أبي شَيبة في مصنَّفه، كتاب الزُّهد، رقم 34905
[2] في (المطبوع): ((البعض)).
[3] في (المطبوع): ((السندهي)).
[4] في (المطبوع): ((أن)).
[5] في (المطبوع): ((هذا)).
[6] أخرجه الحاكم في المستدرَك، رقم 3077 وقال هذا حديث صحيح على شرط الشَّيخين ولم يخرجاه.
[7] الكواكب الدراري1/70 مختصرا
[8] هو عبد الجليل بن موسى الأنصاري الأوسي القرطبي القصري ت 608 هـ = 1211 م من المفسرين له شعب الإيمان وتفسير وغيرهما، الأعلام للزركلي:3/276
[9] في (المطبوع): ((قد)).