الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الشهادة على الخط المختوم

          ░15▒ (باب: الشَّهادة على الخطِّ المختوم...) إلى آخره
          مراده: هل تصحُّ الشَّهادة على الخطِّ بأنَّه خطُّ فلان؟ وقيَّد بالمختوم لأنَّه أقربُ إلى عدم التَّزوير على الخطِّ.
          قوله: (وما يجوز مِنْ ذلك...) إلى آخره، يريد أن القول بذلك لا يكون على التَّعميم إثباتًا ونفيًا، بل لا يمنع ذلك مطلقًا فتضيع لحقوق(1) ولا يعمل بذلك مطلقًا فلا يؤمن فيه التَّزوير فيكون جائزًا بشروط.
          قوله: (وكتاب الحاكم إِلَى عَامِلِهِ...) إلى آخره، يشِيرُ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَ الشَّهادة عَلَى الْخَطِّ، وَلم يجزها فِي كتاب القَاضِي وَكتاب الْحَاكِمِ كذا في «الفتح»، وفيه أيضًا: وجملة ما تضمَّنتْه هذه التَّرجمة بآثارها ثلاثة أحكام: الشَّهادة على الخطِّ، وكتاب القاضي إلى القاضي، والشَّهادة على الإقرار بما في الكتاب، وظاهر صنيع الإمام البخاريِّ جوازُ جميع ذلك.
          فإما(2) الحكم الأوَّل فقالَ ابنُ بطَّالٍ: اتَّفق العلماء على أنَّ الشَّهادة لا تجوز للشَّاهد إذا رأى [خطَّه] إلَّا إذا تذكَّر تلك الشَّهادة، فإن كان لا يحفظها فلا يشهد، فإنَّه مَنْ شاء انتقش خاتمًا، ومَنْ شاء كتب كتابًا، وقد فُعل مثلُه في أيَّام عثمان في قصَّة مذكورة في سبب قتله، وقد قال الله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86]، وأجاز مالكٌ الشَّهادة على الخطِّ، ونُقل عن ابن وهب أنَّه قال: لا آخُذ بقول مالكٍ، وقالَ الطَّحاويُّ: خالف مالكًا جميعُ الفقهاء، وعدُّوا قوله شذوذًا لأنَّ الخطَّ يشبه الخطَّ.
          وأمَّا الحكم الثَّاني فقالَ ابنُ بطَّالٍ: اختلفوا في كتب القضاة، فذهب الجمهور إلى الجواز، واستثنى الحنفيَّة الحدود، وهو قول الشَّافعيِّ، والَّذِي احتجَّ به البخاريُّ على الحنفيَّة قويٌّ، لأنَّه لم يصر مالًا إلَّا بعد ثبوت القتل، قال: وما ذكره عن القضاة مِنَ التَّابعين مِنْ إجازة ذلك، حجَّتُهم فيه ظاهرة مِنَ الحديث، لأنَّ النَّبيَّ صلعم كتب إلى الملوك ولم يُنقل أنَّه أشهد أحدًا على كتابه، قال: ثمَّ أجمع فقهاء الأمصار على ما ذهب إليه سوار وابن أبي ليلى مِنِ اشتراط الشُّهود لما دخل النَّاسَ مِنَ الفساد، فاحتيط للدِّماء والأموال.
          وأمَّا الحكم الثَّالث فقالَ ابنُ بطَّالٍ: اختلفوا إذا أشهد القاضي شاهدين على ما كتبه ولم يقرأه عليهما ولا عرَّفهما بما فيه، وقالَ مالكٌ: يجوز ذلك، وقال أبو حنيفة / والشَّافعيُّ: لا يجوز ذلك. انتهى مختصرًا مِنَ «الفتح»، والبسط [فيه].
          وفي «الفيض»: ثمَّ اشتُهر أنَّ الخطَّ غيرُ معتبر عندنا، لأنَّ الخطَّ يشبه الخطَّ، قلت: وذلك عندما يقع الجحود، أمَّا(3) في البين فهو معتبر، كما أيَّده الشَّاميُّ في رسالة سمَّاها «نَشْر العَرْف»، وحقَّق اعتباره إذا أمن مِنَ التَّزوير، واعتبروه في كتاب القاضي إلى القاضي أيضًا. انتهى.
          وفي هامش «النُّسخة الهنديَّة»: قوله: (وقال بعض النَّاس...) إلى آخره، أراد به الحنفيَّة، وليس غرضُه مِنْ هذا إلا التَّشنيع عليهم، وحاصل غرض البخاريِّ إثبات المناقضة فيما قاله الحنفيَّة، فإنَّهم قالوا: كتاب القاضي جائز إلَّا في الحدود، ثمَّ قالَوا: إن كان القتل خَطَأً يجوز فيه، لأنَّ قتل الخطأ في نفس الأمر لعدم القصاص فيه ملحَق بسائر الأموال، والجواب أن يقال: لا نسلِّم أنَّ الخطأ والعمد واحد، فإنَّ مقتضى العمد القصاصُ، ومقتضى الخطأ عدمُ القصاص ووجوب المال، وأيُّ نسبةٍ بين المال وبين القصاص؟! انتهى مختصرًا.
          قوله: (يجيزون كتب القضاء بغير محضر مِنَ الشُّهود...) إلى آخره، قال صاحب «الفيض»: وهذا غير مختار عندنا، بل لا بدَّ مِنْ شهود الكتابة عندنا. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((الحقوق)).
[2] في (المطبوع): ((فأما)).
[3] في (المطبوع): ((وأما)).