الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه في أمر الناس

          ░14▒ (باب: من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه في أمر النَّاس...) إلى آخره
          قالَ الحافظُ: أشار إلى قول أبي حنيفة ومَنْ وافقه: إنَّ للقاضي أن يحكم بعلمه في حقوق النَّاس، وليس له أن يقضي بعلمه في حقوق الله تعالى كالحدود، لأنَّها مبنيَّة على المسامحة، وله في حقوق النَّاس تفصيل، قال: إن كان ما عَلِمه قبلَ ولايته لم يَحكم، بخلاف ما عَلِمَه في ولايته. انتهى.
          قلت: والمسألة خلافيَّة ففي «الأوجز» تحت حديث: ((لعلَّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته...)) الحديث: قالَ الزَّرقانيُّ: تمسك به أحمد / ومالك في المشهور عنه، أنَّ الحاكم لا يقضي بعلمه، لإخباره صلعم أنَّه لا يحكم إلَّا بما سمع، ولم يقل على نحو ما علمت، وقالَ الشَّافعيُّ وجماعة: يقضي بعلمه مطلقًا، وقال أبو حنيفة: في المال فقط دون الحدود وغيرها، وأجمعوا على أن يَجْرح ويعدِّل بعلمه. [انتهى].
          وقالَ الموفَّقُ: ظاهر المذهب أنَّ الحاكم لا يحكم بعلمه في حدٍّ ولا في(1) غيره لا فيما علمه قبل الولاية ولا بعدها، وهذا قول مالك، وعن أحمد رواية أخرى يجوز ذلك، وهو قول أبي ثور، وقال أبو حنيفة: ما كان مِنْ حقوق الله لا يحكم فيه بعلمه، [وأمَّا حقوق الآدميِّين فما عَلِمَه قبل ولايته لم يَحكم به، وما عَلِمَ في ولايته حَكم به، انتهى.
          وهذا التَّفصيل في مسلك الحنفيَّة إنَّما هو على قول الإمام، وأمَّا عند صاحبيه فيجوز مطلقًا في حقوق العباد سواء علمه قبل القضاء أو بعده، كما في «الدُّرِّ المختار» وغيره، وأمَّا قوله: (إذا لم يخف الظُّنون والتُّهمة) فقيَّد به قول مَنْ أجاز للقاضي أن يقضي بعلمه]
لأنَّ الَّذِين منعوا ذلك مطلقًا اعتلُّوا بأنَّه غير معصوم، فيجوز أن تلحقه التُّهمة إذا قضى بعلمه أن يكون حكم لصديقه على عدوِّه، فجعل المصنِّف محلَّ الجواز ما إذا لم يَخَفِ الحاكمُ الظُّنون والتُّهمة. انتهى مِنَ «الفتح».


[1] قوله: ((في)) ليس في (المطبوع).