التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا

          4043- قوله: (عَنْ إِسْرَائِيلَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعيُّ عمرو بن عبد الله، تَقَدَّم مِرارًا.
          قوله: (وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ(1) صلعم جَيْشًا مِنَ الرُّمَاةِ): اعلم أنَّ الرماة يومئذٍ كانوا خمسين رجلًا، وأميرُهم عبد الله بن جُبير بن النعمان بن أميَّة الأوسيُّ، عقبيٌّ، بدريٌّ، قتل يوم أُحُد، وهو أخو خَوَّات ابن جبير، وقد تَقَدَّم ☺ [خ¦3986].
          قوله: (يَشْتَدْنَ(2)): كذا في أصلنا، قال ابن قُرقُول في السين المهملة مع النون: («يُسندن في الجبل»؛ أي: يصعدن، كذا للقابسيِّ في «الجهاد»، ولابن السكن في «الجهاد» و«الفضائل»، وعند الأصيليِّ: «يَشْتدن»، والشدُّ: الجري، وعند أبي الهيثم: «يَشْتدِدْن»، ولبقيَّة رواة أبي ذرٍّ: «يشدُدن»، كلُّه من الجري، وكذلك في «غزوة أُحُد» بسين مهملة ونون للجرجانيِّ والقابسيِّ، وعند النسفيِّ هنا بشين وتاء، وفي «باب ما يكره من التنازع»: «يشتدن» للأصيليِّ، و«يشتددن» عند أبي ذرٍّ، و«يُسنِدن» غيرهما)، انتهى.
          قوله: (الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ): هما منصوبان، ونصبهما ظاهرٌ.
          قوله: (فَقَالَ عَبْدُ اللهِ): هو الأمير الذي لهم، وقد تَقَدَّم أعلاه أنَّه ابن جُبير منسوبًا في كلامي ☺.
          قوله: (صُرِفَ وُجُوهُهُمْ): هو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، (وجوهُهم): مرفوعٌ نائبٌ مناب الفاعل، وفي نسخةٍ: (صُرِفَت)، وكلاهما جائزٌ في اللُّغة.
          قوله: (وَأُصِيبَ(3) سَبْعُونَ قَتِيلًا): (أُصيب): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، و(سبعون): مرفوعٌ نائبٌ مناب الفاعل، تَقَدَّم أنَّه مَن ذَكر أنَّه استشهد بأُحُد ستَّة وتسعون [خ¦3039]؛ منهم: من المهاجرين ومن ذكر معهم أحد عشر، ومن الأنصار خمسة وثمانون؛ من الأوس ثمانية وثلاثون، ومن الخزرج سبعة وأربعون، وقد تجاوزوا بزيادات زيدت فيهم مئة، فمن الناس من يجعل السبعين الذين ذكروا في الحديث من الأنصار خاصَّة، وصريح حديث أنس: (أُصيب منا يوم أُحُد سبعون، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم اليمامة سبعون)، وكذلك قال ابن سعد: (إنَّ الشهداء السبعين من الأنصار) في (باب غزوة أُحُد)، لكنَّهم في تراجم «الطبقات» له زادوا على ذلك، وقد عزا شيخنا في (الجهاد) إلى مالك: (أنَّه قُتِل من الأنصار يوم أُحُد سبعون، ومن المهاجرين أربعة)، انتهى.
          ويُذكر في تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا}[آل عمران:165] أنَّه تسليةٌ للمؤمنين عمَّن أُصيب منهم يوم أُحُد بأنَّهم أصابوا من المشركين يوم بدر سبعين قتيلًا، وسبعين أسيرًا، فإن صحَّ ذلك نقلًا وحملًا؛ فالزيادة ناشئة في التفصيل، وليست زيادة في الجملة، وقد رأيت في «الأحكام» لمحب الدين الطبريِّ الحافظ الإمام العلَّامة في (الجنائز) عن الشافعي: (أنَّ شهداء أُحُد اثنان وسبعون)، ذكر ذلك في الردِّ على من قال: (صلى على حمزة سبعين صلاة)، انتهى، ورأيت فيها أيضًا حديثًا عن أُبيِّ بن كعب قال: (لمَّا كان يوم أُحُد؛ أُصيب من الأنصار أربعة وسبعون، ومن المهاجرين ستَّة؛ منهم حمزة، فمثَّلوا بهم، فقالت الأنصار: إن أصبنا منهم يومًا؛ لنُرْبينَّ عليهم، فلمَّا كان يوم فتح مكَّة؛ أنزل الله تعالى: {عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}[النحل:126]... إلى أن قال: «كفُّوا عن القوم غير أربعة»، أخرجه أبو حاتم)، انتهى.
          وقد رأيت هذا في «المستدرك» في تفسير (النحل)، غير أنَّ فيه: (أربعة وستِّين)، كذا رأيته أخرجه مرَّة، وأخرى في (الشورى) في (التفسير)، وفي كلام مغلطاي: (أنَّهم سبعون؛ منهم حمزة) قال: (ويقال: خمسة وستُّون)، وكذا في كلام شيخنا بعد أن نقل أنَّهم سبعون قال: / (ويقال: خمسة وستُّون؛ منهم أربعة مهاجرون)، انتهى.
          فائدةٌ: قد تحصَّلنا في عدد قتلى أُحُد على أقوال؛ أحدها: سبعون، الثاني: من الأنصار سبعون، ومن المهاجرين أربعة؛ الجملة: أربعة وسبعون، الثالث: اثنان وسبعون، الرابع: أربعة وسبعون من الأنصار، ومن المهاجرين ستَّة؛ الجملة ثمانون، الخامس: خمسة وستُّون؛ منهم أربعة مهاجرون.
          تنبيهٌ: لم يُذكَر في أُحُدٍ أسرى، ولا رأيت أحدًا ذكر ذلك إلَّا ما رأيته في «سيرة مغلطاي الصُّغرى» قال: (وأُسِر سبعون، ويقال: خمسة وستُّون)، انتهى، وهذا غريبٌ، وإخاله غلطًا، أو انتقالَ حفظٍ من قولٍ في القتلى تَقَدَّم، ثُمَّ إنَّي راجعت نسخةً أخرى قرئت على المؤلِّف وعليها خطُّه، فلم أر ذلك فيها، وهو انتقال حفظ من القتلى إلى الأسرى، كما قدَّمتُ، ولا أعلم أُسِر أحدٌ من الصَّحابة فيها، والله أعلم، وكأنَّه كان أوَّلًا كَتَبَه، ثُمَّ إنَّه رجع عنه.
          قوله: (وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ): تَقَدَّم أنَّه أبو سفيان صخر ابن أميَّة بن عبد شمس، أسلم ليلة الفتح، وتَقَدَّم بعض ترجمته [خ¦7]، وهو والد معاوية وأمِّ حبيبة.
          قوله: (أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: «لَا تُجِيبُوهُ»): إنَّما نهاهم النَّبيُّ صلعم عن إجابته؛ لأنَّ كَلْمَهُمْ لم يكن بَرَدَ بعدَ طلبِ القوم، ونار غيظه بعدُ متوقِّدة، فلمَّا قال أبو سفيان لأصحابه ما قال؛ حَمِيَ عمر ☺، واشتدَّ غضبه، وقال ما قال، فكان في هذا الإعلام من الإدلال، والشجاعة، وعدم الجبن، والتَّعرُّف إلى العدوِّ في تلك الحال ما يؤذنهم بقوَّة القوم، وأنَّهم لم يهِنوا، ولم يضعفوا، وأنَّه وقومه تحت الخوف منهم، وقد أبقى الله لهم ما يخزيهم، وكان في الإعلام ببقاء هؤلاء الثلاثة وهلةً بعد ظنِّه وظنِّ قومه أنَّهم قد أُصيبوا من المصلحة، وغيظ العدوِّ وحزبه، والفتِّ في عَضُده؛ من المصلحة ما ليس في جوابه حين سأل عنهم واحدًا واحدًا، فكان سؤاله عنهم ونعيُهم لقومه آخر سهام العدوِّ وكيده، فصبر له النَّبيُّ صلعم حتَّى استوفى كيده، ثُمَّ انتدب له عمر ☺ بالجواب، فردَّ سهامه عليه، فكان تركُ الجواب أوَّلًا أحسن، وذكره ثانيًا أحسن، وأيضًا فإنَّ في ترك إجابته حين سأل عنهم إهانةً له، وتصغيرًا لشأنه، فلمَّا منَّته نفسُه موتَهم، وظنَّ أنَّهم قد قُتِلوا، وحصل له بذلك من الكِبر والأشر ما حصل؛ كان في جوابه إهانةٌ، وتحقيرٌ، وإذلالٌ، ولم يكن هذا مخالفًا لقوله: «لا تُجِيبُوهُ»، وإنَّه إنَّما نهى عن إجابته لمَّا سأل: أفيكم محمَّد؟ أفيكم فلان؟ ولم ينه عن إجابته لمَّا قال: (أمَّا هؤلاء؛ فقد قُتِلوا)، وبكل حال؛ فلا أحسن مِن ترك إجابته أوَّلًا، ولا أحسن من إجابته ثانيًا.
          فإن قيل: فما الحكمة من سؤاله عن هؤلاء الثلاثة دون غيرهم؟
          وجوابُه: أنَّ الحكمة في ذلك علمُه وعلمُ قومه أنَّ قيام الدين والإسلام بهم، والله أعلم.
          قوله: (مَا يُـَخْزِيكَ(4)): من الخزي، وهو معروفٌ، وكان هذا كشفٌ من عمر وإخبارٌ عن يوم الفتح.
          قوله: (أُعْلُ هُبَلْ): هو أمر بالعلوِّ، قال ابن قُرقُول: (ليرتفع أمرُك، ويعزَّ دينك)، انتهى، وقال شيخنا: (قال الداوديُّ: «وفي رواية: «أعلى(5) هُبل، ارق الجبل»؛ يعني: علوته حتَّى صرت كالجبل العالي»، قال: ويحتمل أن يريد بقوله: «ارق الجبل»: تعيير المسلمين حين انحازوا إلى الجبل)، انتهى، و(هُبَل)؛ بضمِّ الهاء، وفتح الباء الموحَّدة، وباللام: اسم صنمٍ لهم، وكان داخل الكعبة، قال السهيليُّ في «روضه»: (وهبل جاء به عمرو بن لُحيٍّ من هيت _وهي من أرض الجزيرة_ حتَّى وضعه في الكعبة)، انتهى، وقد تَقَدَّم [خ¦3039]، ونقل شيخنا عن ابن إسحاق قال: وحدَّثني بعضُ أهل العلم، فذكر قصَّةً فيها عمرو بن لُحيٍّ جاء بهبل من مآب من أرض البلقاء، انتهى، وقد تَقَدَّم [خ¦3039].
          قوله: (أَجِيبُوهُ): هو بفتح الهمزة من الإجابة، وهو رُباعيٌّ، أمرهم صلعم بجوابه عند افتخاره بآلهتِه وبشِرْكه؛ تعظيمًا للتوحيد، وإعلامًا بعزَّة مَن عَبَدَه من المسلمين، وقوَّة جانبه، وأنَّه لا يُغلب، ونحن حزبه وجنده، والله أعلم.
          قوله: (لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ): (العُزَّى): اسم صنمٍ كان لقريش وبني كنانة، ويقال: (العزَّى): سَمُرة كانت لغطفان يعبدونها، وكانوا بنَوا عليها بيتًا، وأقاموا لها سَدَنَة، فبعث إليها النَّبيُّ صلعم خالد بن الوليد، فهدم البيت، وأحرق السَّمُرة، تَقَدَّمت [خ¦3039].
          قوله: (وَالْحَرْبُ سِجَالٌ): هو بكسر السين، وتخفيف الجيم، ومعناه: مرَّة لنا، ومرَّة علينا، من مساجلة المستقين على البئر بالدِّلاء، وقد تَقَدَّم [خ¦7].
          قوله: (مُثْلَةً): هو بضمِّ الميم وكسرها، وإسكان الثاء المُثلَّثة، قال ابن قُرقُول: («مِثلة»؛ يعني: بكسر الميم، كذا قيَّده الأصيليُّ، وقيَّده غيره «مُثلة»؛ يعني: بضمِّها، قال: وكلاهما صحيح، وهو التشويه بالخلق من قطع الأنف والآذان، وجمعها: مُثُلات، ومُثَل، وأمَّا قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ}[الرعد:6]؛ فهي العقوبات)، وقال شيخنا: (قال ابن التين: «هي بفتح الميم، والثاء...») إلى أن قال: (وضبطه بعضهم بالضمِّ؛ كغُرفة(6)، وفي رواية بالفتح، وسكون الثاء، وهو مصدر)، انتهى.


[1] في (أ): (رسول الله)، والمثبت موافقٌ لِما في «اليونينيَّة» و(ق).
[2] كذا في (أ) و(ق)، ورواية «اليونينيَّة»: (يَشْتَدِدْنَ)، وفي هامشهما روايات أخرى.
[3] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة» و(ق): (فَأُصِيبَ).
[4] بالضبطين في «اليونينيَّة» وفوقها: معًا، وفي (أ) و(ق): (يُخْزِيك) بالضم فقط.
[5] كذا في (أ)، وضبطها في «منحة الباري» ░6/148▒ بفتح الهمزة وسكون العين.
[6] كذا في (أ)، وفي المطبوع من مصدره: (كقُرحة).