التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: أن نبي الله أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلًا من صناديد قريش

          3976- قوله: (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَة(1)): الظَّاهر أنَّه المسنَديُّ، وذلك أنَّ الكَلاباذيَّ وابن طاهر قالا في ترجمة رَوْح: (إنَّه روى عنه المسنَديُّ)، والله أعلم، و(رَوح): هو ابن عُبَادة، تَقَدَّم أنَّه بفتح الراء [خ¦47]، وقال بعضهم: وبضمِّها، وعُبَادة؛ بضمِّ العين، وتخفيف الموحَّدة، و(أَبْو طَلْحَةَ): هو زيد بن سهل الصَّحابيُّ، زوج أمِّ سُلَيم، تَقَدَّم ☺.
          قوله: (أَمَرَ [يَوْمَ بَدْرٍ] بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ): اعلم أنَّ بعض حُفَّاظ العصر قال: (سمَّاهم ابن إسحاق في «المغازي»)، انتهى، ثُمَّ اعلم أنَّ القتلى في بدرٍ من المشركين سبعون، وسبعون أسيرًا، كما في «الصحيح» من حديث البراء ☺: (وكان النَّبيُّ صلعم أَصَابَ مِن المشركين أربعينَ ومئة؛ سَبعينَ أَسِيرًا، وسَبعينَ قَتيلًا...)؛ الحديث [خ¦3039]، ونقل شيخنا في (الجهاد) عن أبي محمَّد في «جامع مختصره»: (أنَّ قتلى بدر كانوا خمسين)، وهذا غريبٌ جدًّا، والأربعة والعشرون الملقَون في الطَّوِيِّ سمَّاهم ابن إسحاق كما تَقَدَّم أعلاه، غير أنَّ الذين دعا عليهم ◙ قُذِفوا في الطَّوِيِّ غيرَ عقبة بن أبي معيط، فإنَّه ◙ قتَله مُنصرفه عن بدر صبرًا، كما تَقَدَّم [خ¦520]، وعمارة تنصَّر بالحبشة، وهلك هناك على كفره، قال ابن إسحاق: (وحدَّثني يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة ♦ قالت: «لمَّا أمر رسولُ الله صلعم بالقتلى أن يُطرَحوا في القَليب؛ طُرِحوا فيه إلَّا ما كان من أميَّة بن خلف، فإنَّه انتفخ في درعه، فملأها، فذهبوا ليحرِّكوه فتزايل، فأقرُّوه وألقَوا عليه ما غيَّبه من التراب والحجارة») انتهى.
          وقد قدَّمتُ في أوائل هذا التعليق من «صحيح مسلم» ما ظاهره أنَّ أميَّة بن خلف أُلقِيَ معهم، ولكنَّ تأويلَه ممكنٌ، وفي هذا «الصحيح»: (أنَّ أُبيًّا أو أميَّة بن خلف _بالشكِّ_ لم يُلقَ) [خ¦3854]، وقد تَقَدَّم أنَّ الصواب مِن أحد الشَّكَّين أميَّة [خ¦240]؛ لأنَّ أُبيًّا قتله ◙ بأُحُد، فحملوه معهم، فهلك بسَرِف على باب مكَّة، وقصَّته مشهورةٌ.
          فمن مشاهير القتلى ببدر: حنظلة بن أبي سفيان صخرِ بن حرب، وعُبيدة بن سعيد بن العاصي، وأخوه العاصي، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، وعقبة بن أبي معيط _كما تَقَدَّم أنَّه قُتِل صبرًا في انصرافه ◙ من بدر_، وطُعيمة بن عديٍّ، وزمعة بن الأسود بن المُطَّلب بن أسد، وابنه الحارث بن زمعة، وأخوه عَقِيل بن الأسود، وأبو البَخْتَريِّ العاصي بن هشام، ونوفل بن خويلد بن أسد، والنضر ابن الحارث _قتل صبرًا بالصفراء_، وعُمير بن عثمان عمُّ طلحة بن عُبيد الله بن عثمان، وأبو جهل ابن هشام، وأخوه العاصي بن هشام، ومسعود بن أبي أميَّة المخزوميُّ أخو أمِّ سلمة، وأبو قيس بن الوليد أخو خالد بن الوليد، وقيس بن الفاكه بن المغيرة، والسائب بن أبي السائب المخزوميُّ _وقد قيل: لم يقتل يومئذٍ، وأسلم بعد ذلك_، ونبيه ومنبِّه ابنا الحَجَّاج بن عامر السهميِّ، والعاصي والحارث ابنا منبِّه بن الحَجَّاج، وأميَّة بن خلف، وابنه عليٌّ؛ هؤلاء الذين وقفت عليهم من مشاهير القتلى، وسأذكر من وقفت عليه من الأسرى قريبًا إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين.
          قوله: (فَقُذِفُوا): هو بضمِّ القاف، وكسر الذال، مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.
          قوله: (فِي طَوِيٍّ): الطَّوِيُّ؛ بفتح الطاء المهملة، وكسر الواو، وتشديد الياء: البئر المطويَّة بالحجارة، وجمعها: أطواء؛ بالمدِّ، وقد تَقَدَّم [خ¦1370].
          قوله: (خَبِيثٍ مُخْبِثٍ): (المُخبِث) بضمِّ الميم، وكسر الموحَّدة؛ أي: فَاسدٍ مُفْسدٍ لما يقع فيه.
          قوله: (بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَ(2) [لَيَالٍ]): (العرْصة)؛ بإسكان الراء: بُقعةٌ بين الدور واسعةٌ ليس فيها شيء من بناء، والجمع: العِراص والعَرَصات.
          قوله: (الْيَوْمَ الثَّالِثَ): هو بنصب (يومَ)، و(الثالثَ): منصوبٌ صفة لـ(اليوم)، ويجوز رفع (اليومُ) على أنَّه اسم (كانَ)، و(الثالثُ): صفةٌ له مرفوعٌ.
          قوله: (أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ): تَقَدَّم أنَّ رواحله: القصواء، والعضباء، والجدعاء، وهل هنَّ ثلاث، أو اثنتان، أو واحدة، والله أعلم [خ¦2871].
          قوله: (فَشُدَّ عَلَيْهَا): (شُدَّ): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و(رَحْلُهَا(3)): مرفوعٌ نائبٌ مناب الفاعل، وهذا ظاهرٌ جدًّا.
          قوله: (مَا نُرَى): هو بضمِّ النون؛ أي: نظنُّ.
          قوله: (عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ): (شفَة)؛ بتخفيف الفاء، وهذا ظاهرٌ جدًّا، و(الرَّكِيُّ)؛ بفتح الراء، وكسر الكاف، وتشديد الياء، بوزن (عليٍّ): البئر، وقال الأصمعيُّ: جمع (ركيَّةٍ).
          قوله: (يَا فُلَانَُ ابْنَُ فُلَانٍ): يجوز في (فلان) الأوَّل الفتح والضمُّ، وكذا في (ابن)، والأكثرون في (ابن) على الفتح، وقد ذكرتُ الضمَّ فيه عن كتاب «التسهيل» لابن مالكٍ، وذكرت في أوائل هذا التعليق شروطَ ذلك مختصرًا [خ¦128].
          قوله: (قَالَ قَتَادَةُ): هو قتادة المذكور في السند، ابن دِعامة، أبو الخطَّاب السدوسيُّ الأعمى، الحافظ المفسر، كبير القدر، كثير التدليس، مشهور الترجمة، وله ترجمة في «الميزان»، قال شيخنا: (قال الخطَّابيُّ: «هذا _يعني: قول قتادة_ أحسن من ادِّعاء عائشة على ابن عمر الغلط»، كما يأتي بعد [خ¦3980]، قال: «يؤيِّد ما رواه ابن عمر حديث أبي طلحة هذا»)، وأجاب بعضُهم: بأنَّه جائزٌ أن يَسمعوا في وقتٍ ما أو في حالٍ ما، فلا تنافيَ، وقد قال: «إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهم»، وسؤال الملكين له في قبره، وجوابه لهما، وغير ذلك ممَّا لا يُنكر، وقد روى ابن عبَّاس مرفوعًا: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ المُؤْمِنِ كَانَ يَعرفُهُ فِي الدُّنيا، فيُسَلِّمَ عَليهِ؛ / إلَّا عَرَفَهُ، وَرَدَّ عليـه السـلامَ»، ذكره أبو عمر في «تمهيده»، وقال الإسماعيليُّ: «إن كانت عائشة قالت ما قالته روايةً؛ فرواية ابن عمر أنَّهم يسمعون، وعلمهم لا يمنع من سماعهم، وأمَّا تلاوتُها الآيةَ؛ فهو لا يُسمِعُهم، ولكنِ اللهُ، والإسماعُ ليس هو إبلاغ الصوت من المسمِع، أو وقوع الصوت في أذن السامع، وإنَّما المراد الاستجابة، فعليه التبليغ والدعاء، وعليهم الإجابة، ولا يقع ذلك إلَّا بالتوفيق».
          قال السهيليُّ: «وعائشة لم تحضر، وغيرُها ممَّن حضر أحفظُ للفظه، وقد قالوا له: أتخاطب قومًا قد جَيَّفوا؟ فقال: «مَا أَنتُمْ بِأَسْمَعْ لِمَا أَقُوْلُ مِنْهُمْ»، وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحال عالمين؛ جاز أن يكونوا سامعين؛ إمَّا بآذان رؤوسهم إذا قلنا: إنَّ الأرواح تُعَادُ في الأجساد عند المسألة، وهو قول الأكثر من أهل السُّنة، وإمَّا بآذان القلب أو الروح على مذهب من يقول بتوجُّه الخطاب إلى الروح من غير رجوع منه إلى الجسد أو إلى بعضه».
          فإن قلت: فما معنى إلقائِهم في القَليب؟
          قلت: لأنَّ من سُنَّته في مغازيه إذا مرَّ بجِيفة إنسانٍ؛ أمر بدفنه، ولا يَسأل عنه، كما أخرجه الدارقطنيُّ [خ¦4157]، فإلقاؤهم من هذا الباب، غير أنَّه كره أن يشقَّ على أصحابه كثرة الجِيَف، فكان جَرُّهم إلى القَليب أيسرَ عليهم، ووافق أنَّ القَليب حفره رجل من بني النار، كما سيأتي، فكان ذلك مآلًا لهم)، انتهى.
          والسؤال والجواب أعرفه من كلام غير شيخنا؛ فاعلمه، وهو في كلام السهيليِّ في «روضه».


[1] في (أ): (أنَّه سمع روحًا)، والمثبت موافقٌ لِما في «اليونينيَّة» و(ق).
[2] في (أ): (ثلاثًا)، والمثبت موافقٌ لِما في «اليونينيَّة» و(ق).
[3] كذا في (أ) و«اليونينيَّة»، وفي (ق): (رحله).