التوضيح لشرح الجامع البخاري

حديث: أن رسول الله مات وأبو بكر بالسنح

          3667- 3668- الحديث التاسع: حديث عائِشَةَ ♦: أنَّه ◙ (مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ، قَالَ إِسْمَاعِيْلُ: يَعْنِي: بِالْعَالِيَةِ...) الحديث بطوله.
          السُّنحُ بضمِّ أوله وثانيه وقد تسكَّن النُّون كما قال الحازمِيُّ، وكذا كان أبو ذرٍّ يقولها بالإسكان كما حكاه عِيَاضُ، منازلُ بني الحارث بالعوالي مِن الخَزْرج مِن عوالي المدينة. قال البَكْريُّ: بينه وبين منزل النَّبيِّ صلعم ميلٌ، وبه وُلِد عبد الله بن الزُّبَيْر، كان الصِّدِّيق نازلًا هناك ومعه أسماءُ ابنته، سكنه لَمَّا تزوَّجَ ابنة خَارِجَةَ الأنصاريِّ.
          وقوله: (لاَ يُذِيقُكَ المَوْتَتَيْنِ أَبَدًا) أي ليس عليك بعد هذه الموتة كربٌ مقبورًا ولا عند نَشْرِكَ، ولا في الموقف ولا في أحوال يوم القيامة كلِّها.
          وقوله: (عَلَى رِسْلِكَ) هو بكسر الراء، أي على هِيْنتك.
          وقوله: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران:144] أي ماتوا وهو لا بدَّ مَيِّتٌ.
          وقوله: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ} الآية [آل عمران:144] لَمَّا صرخ الشَّيطان يوم أُحُدٍ: إنَّ محمَّدًا مات فكاد يزيغ قلوبُ فريقٍ، فعاتبَهم اللهُ على ذلك وحذَّرَهم أن ينقلبوا على أعقابهم عند موته.
          وقوله: (فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ) قال الخطَّابيُّ: النَّشِيج: بكاءٌ معه صوت، وقيل: ترجيعٌ كما يردِّدُ الصَّبيُّ بكاءَه في صدرِهِ، وقال ابن فارسٍ: نشج الباكي: غصَّ بالبكاء في حَلْقِهِ مِن غير انتحابٍ، قال: والنَّحِيب: بكاءٌ مع صوتٍ وإعْوالٍ، وكذا قال الجَوْهَرِيُّ: نَشَجَ الباكي يَنْشِجُ نَشْجًا إذا غصَّ بالبكاء في حلقه مِن غير انتحابٍ.
          وقوله: (فَقَالُوا) يعني الأنصار (مِنَّا أَمِيْرٌ وَمِنْكُم أَمِيْرٌ) إنَّما قالوا ذلك على عادة العرب أنْ لا يسودَ القبيلة إلَّا رجلٌ منهم، ولم يعلموا حينئذٍ أنَّ حُكم الإسلام بخلاف ذلك، فلمَّا سمعوا أنَّه ◙ قال: ((الخِلَافَةُ فِي قُرَيْش)) أذعنوا لذلك فبايعوا الصِّدِّيقَ، قال الدَّاوديُّ: وفيه دليلٌ أنَّ الخلافةَ سنَّة مؤكدة لأنهم أقاموا وقتًا لم يكن لهم إمامٌ حتى بايعوا الصِّدِّيق، وقيل: هي فريضةٌ؛ لأنَّ الفرائض تقوم بها لأنَّه لم تتأخَّر عن وقت الحاجة إليها، قلت: وهو الصَّواب، فنَصْبُ الإمام ضروريٌّ لا يقوم المعاشُ إلَّا به.
          وقوله: (هُمْ أَوْسَطُ العَرَبِ دَارًا) أي مكَّةَ، قاله الدَّاوديُّ، وقال الخطَّابيُّ: أراد به سِطَةَ النَّسَب، قال: ومعنى الدَّار: القبيلة، ومنه حديث: ((خَيرُ دُورِ الأَنصارِ بَنو النَّجَّار)) يريد خير قبائلهم.
          وقوله: (وَأَعْرَقَهُمْ أَحْسَابًا) هو بالقاف، وفي بعض نُسَخِهِ: هو بالباء، وعليه / ا مشى ابن التِّين، قال: يريد أنَّهم أحسن شمائل وأفعالًا للعرب، قال: سَمَّى النَّسَب الآباءَ، والحَسَب: الأفعالَ مأخوذٌ مِن الحساب إذا حسبوا مناقبهم، فمَن كان يعدُّ لنفسه ولأبيه مناقبَ أكثر كان أحسبَ، والمراد بالرفيق الأعلى: الجَنَّة.