التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول النبي: سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر

          ░3▒ (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: سُدُّوا الأَبْوَابَ، إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ☻ عَنِ النَّبيِّ صلعم)
          3654- هذا الحديثُ سلفَ مُسندًا في أبواب المساجد مِن كتاب الصَّلاة [خ¦467]، ثمَّ ذكرَ حديثَ أبي سعيدٍ ☺: (خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلعم النَّاسَ وَقَالَ: إِنَّ اللهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ ذَلِكَ العَبْدُ مَا عِنْدَ اللهِ، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ أَنْ يُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صلعم عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ هُوَ المُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ).
          الشرح: حديثُ أبي سعيدٍ ☺ سلف هناك، وفيه: فضلٌ ظاهرٌ للصِّدِّيق، وإنَّما له الخلافة حيث لم يُبقَ إلَّا بابه.
          ومعنى: (أَمَنِّ) أسمح بماله، ولم يُرِد به الامتنان لأنَّ المنَّةَ تُفسد الصَّنيعة، ولا مِنَّة لأحدٍ على رسول الله صلعم، قال الدَّاوديُّ: (مِنْ أَمَنِّ) يعني بما يجب فيه المَنُّ لو كان مِن غير رسول الله صلعم، وإنَّما المنُّ لله ولرسوله.
          وقوله: (لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا) فمُنِعَ أن يتَّخِذَ خليلًا مِن النَّاس، وأبو ذرٍّ وأبو هريرة ☻ وغيرُ واحدٍ يقولون: أخبرني خليلي، وجاز لهم ذلك، ولا يقول أحدٌ: أنا خليلُه، وإبراهيمُ خليل الرحمن، ولا يُقَال: إنَّ الله خليله، هذا قول الدَّاوديِّ، والمعنى: لو كنت أخُصُّ أحدًا بشيءٍ مِن الدِّين لخصصت به أَبَا بَكْرٍ، ففيه ردٌّ على الشِّيعة القائلين أنَّه خصَّ عليًّا منِ الدِّين والقرآن ما لم يخصَّ أحدًا، وذكر قومٌ أنَّ المانع من اتِّخاذه خليلًا هنا أنَّ هذا الحديث روي عنه وقال فيه: ((وصاحبكم خليلُ الله)) يريد نفسه، وإن كان خليلٌ لم يخالل غيره، قال ابن التِّين: وما تقدَّم أولى وأبين في الحُجَّة قال: وقوله: (وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ) هذا هو الصحيح في هذا الحرف، وحذف الألف لا وجهَ له في كلام العرب، والوجه بالألف كما ذكره البخاريُّ.
          وقد اختُلف في تفسير الخُلَّة واشتقاقها على أقوال، واختار غير واحدٍ أنَّ الخليل: المختصُّ، وقال بعضهم: إنَّه مَن لا يتَّسِعُ قلبه لسواه، وهو معنى قوله: ((لو كنت مُتَّخِذًا خليلًا...)) الحديث، واختلفوا أيضًا أيُّهما أرفعُ درجةً الخُلَّةُ أو المحبَّةُ، فجعلَهما بعضُهم سواءً، وبعضهم قال: درجةُ الخُلَّة أرفعُ درجةً لقوله ◙: ((لو كنتُ مُتَّخِذًا خَليلًا غير ربِّي)) فلم يتَّخذه، وقد أطلق المحبَّةَ لفاطمةَ وابنيها وأُسامةَ وغيرهم، وأكثرهم عَكَسَ، وكِلاهما حاصلٌ لنبيِّنا صلعم.