التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان

          ░8▒ (بَابُ قِصَّةِ البَيْعَةِ، وَالِاتِّفَاقِ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) وفيه مَقْتَلُ عمرَ بن الخطَّاب ☻
          3700- ثمَّ ساقه مِن حديث عَمْرِو بن مَيْمُونٍ بطوله، وسلف قطعةٌ منه في الجنائز [خ¦1392]، طعنَه أبو لؤلؤةَ غُلامٌ نَصْرَانيٌّ للمغيرةِ عند صلاة الصُّبح بعد أن كبَّرَ، وقال مالكٌ: قبل أن يدخل في الصَّلاة، وطُعِن معه ثلاثةَ عشرَ رجلًا مات منهم سبعةٌ.
          وقوله: (فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلاَةً خَفِيفَةً)، قيل: قرأ فيها: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1]، و{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1] خوفَ فوات الوقت لأنَّ لهم جولة، وكانت صلاتُه بأمر عُمَرَ ☺، وكان ذلك في ذي الحِجَّة سنة ثلاثٍ وعشرين، عن ثلاثٍ وستِّين أو خمسٍ وخمسين، وكانت خلافتُه عشر سنين وخمسة أشهرٍ وتسعةً وعشرين يومًا.
          وقوله: (الصَّنَعُ) هو بفتح الصاد المهملة والنُّون، أي الصَّانع، قال في «الفصيح»: رجلٌ صَنَعُ اليد واللسان وامرأةٌ صَنَاعٌ اليد، وفي «نوادر أبي زيدٍ»: والصَّنَاعُ تقع على الرجل والمرأة وكذلك الصَّنَع، وكان هذا الغلام نَجَّارًا.
          وقول ابن عبَّاسٍ ☻: (إِنْ شِئْتَ فَعْلْتُ، أَيْ إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا، فَقَالَ: كَذَبْتَ...) إلى آخره. إنَّما قال ذلك لعلمِه أنَّ عُمَرَ لا يأمر بذلك.
          وقول عُمَرَ للشابِّ الذي إزاره يمسُّ الأرض: (اِرْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ وَأَتْقَى لِرَبِّكَ) فيه ما كان عليه مِن الأمر بالمعروف، ولم يشغله حالُه عن ذلك، والدَّينُ الذي كان عليه للمسلمين إنَّما ارتزقَ مِن بيت مالهم ما كان يغنمُه، ولم يكن عليه غرامةُ ذلك إلَّا أنَّه أراد أن يحتسبَ عمله لا يتعجَّلُ منه شيء في الدُّنيا.
          وقوله: (وَلَا تَقُلْ: أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ) لَمَّا أيقن بالموتِ لتعلمَ هي ذلك، فإن كَرِهَتْ دفنَه هناك منعَتْه، وفي استئذانه لها دليلٌ على أنَّها تملُك البيتَ أو السكن إلى أنْ تُوفِّيت، ولا يلزم منه الإرث؛ لأنَّ أُمَّهاتِ المؤمنين محبوساتٌ بعد وفاتِهِ ولا يتزوَّجْنَّ إلى أن يَمُتْنَ، فهنَّ كالمعتدَّاتِ في ذلك، وكان النَّاس يصلُّون الجمعة في حُجَرِ أزواجه، ووصيُّته أن يستأذنَ بعد موتِهِ عائشَةَ خشيةَ أن تُراعيه في حياتِه، وبُكاءُ حَفْصَةَ لغلبة الشَّفقة، وكان قبل الموت أيضًا، ولم ترفع صوتها به.
          وفي قوله: (مَا أَجِدُ أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هؤلاء النَّفَرِ أَوِ الرَّهْطِ الذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَهْوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَسَمَّى عَلِيًًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْر وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ).
          فيه: جوازُ تولية المَفْضُول مع وجود الفاضِلِ؛ لأنَّ عُثْمَان وعليًّا أفضلُهم، ولم يذكر أبا عُبَيدةَ لأنَّه تُوفِّيَ قبلَهُ سنة ثماني عشرة، ولا سعيدَ بن زيدٍ لأنَّه كان غائبًا فيما قيلَ، وفي وصاياه دلالةٌ لمن أَنفَذَتْ مَقَاتِلُه حكمَ الحيِّ، وأنَّهُ يَرِثُ مَن ماتَ بعد أنْ أَنفَذَتْ مَقَاتِلُه وقبل أن تَزْهَقَ نَفْسُهُ، وهو قولُ ابنِ القاسمِ، وقال سُحنُون: لا يرث مَن مات قبله إذ لو كان شيءٌ مِن البهائم أَنفَذَتْ مَقَاتِلُه لم يُؤكل، والذي أوصى به مِن أمر سعدٍ نصيحةٌ منه بعد موته.
          وقوله في ولده: (يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ) قال هذا مع أهليَّتِهِ، لكنَّهُ رأى غيرَه أولى منه أو خَشِيَ أن يُقَال: هِرَقْليَّةٌ أو كسرويَّةٌ أن تُجعَل في الأولاد الخلافة.
          وقوله في أهل الذمة: (لَا يُكَلَّفُوا إِلَّا طَاقَتَهُمْ) يريدُ في الجِزْية.
          وقولُ عبد الرَّحمن: (اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ) يعني في الاختيار، ليس أنَّهم تَبَرَّوا مِن الأمر.
          وقوله: (وَقَالَ طَلْحَةُ: جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ) هو صريحٌ في حضوره، وروى مالكٌ: أنَّ طَلْحَةَ كان غائبًا وأنَّ عُمَرَ قال: انظروا طلحَةَ ثلاثًا، فإن قدم وإلَّا فاقضُوا أمرَكم، وإنَّ عُثْمَان بُويعَ له في اليوم الثالث، ثمَّ قدم طلحةُ مِن آخر ذلك اليوم، فمشى إليه عُثْمَانُ فوجدَ طلحَةَ يحطُّ عن رواحلِهِ، فقال له عُثْمَانُ: قد بقِيَ لك باقي اليوم، فالتفت إلى مَن بجانبه فقال: هل ثَمَّ خِلافٌ؟ قيل: لا، فبايع لعُثْمَانَ، وكانت خلافتُه ثِنتَي عشرةَ سنةً ابنَ ثمانٍ وثمانين، أو ابنَ تسعين، أو ابنَ ستٍّ وثمانين، سنةَ خمسٍ وثلاثين.